الله جل وعلا ما هو سبب خلقه لنا لعبادته طالما أنه لا يحتاجها ولا يفتقر إليها؟
السبب هو أنه تبارك وتعالى يحب أن يُعبد، لهذا خلق جميع الخلائق ليعبدوه. فهو لم يخلقنا عبثًا ولا لعبًا، ولم يخلقنا عن افتقار واحتياج، بل خلقنا لحكمة عظيمة، وهي محبته ومرضاته جل وعلا، وقد يتعجب البعض من أن الله يفعل شيئًا لمجرد محبته إياه، ولا يرى أن هذه حكمة معتبرة، في حين أننا نرى العديد من الناس يفعلون أمورًا وتصدر منهم تصرفات الغاية الوحيدة منها أنهم يحبونها لا أكثر! فمثلاً من يقومون بتربية القطط أو غيرها من الحيوانات الأليفة التي لا تصلح في حرث ولا زرع ولا حماية، أو من يقومون بتربية العصافير أو الببغاوات وينفقون عليها وعلى إطعامها وتسكينها وتنظيف فضلاتها مئات وألوف الدولارات، هل يقومون بهذا إلا بدافع حب هذه المخلوقات؟ بل دعني أذكر موقفًا وقع لي مع أحد المتشككين: سألته لماذا قام بطلب البيتزا على العشاء؟ لماذا لم يخرج بعض الجبن من الثلاجة ويأكله مع الخبز؟ أليست فطيرة البيتزا عبارة عن خبر وجبن، وهي أرخص ثمنًا بكثير ونفس المنفعة الغذائية تقريبًا؟! فأجابني بأنه يحب البيتزا! فهو لم يطلب البيتزا إلا لأنه يحبها، رغم أن غيرها يغني عنها! وقس على هذا العشرات من أفعالنا اليومية.
والله له المثل الأعلى! بالرغم أن كثيرًا من الناس يقومون بالكثير من الأفعال بدافع الحب فقط، دون أن يكون في غايتهم تحصيل مصلحة مادية أو درء مفسدة مادية، إلا أنهم عندما نجيبهم أن الله خلقنا لأنه يحب أن نعبده، تجدهم يرفعون حاجبًا ويخفضون الآخر، ويبتسمون في استهزاء، ويتهكمون من الإجابة، وكأن صدور الفعل من الفاعل لمجرد أنه يحب فعله أمرٌ عجيبٌ ومستهجنٌ لم تشهده عقولهم أبدًا ولم تعرفه قلوبهم من قبل!
والله يحب أن يعبد، لأنه مستحقٌ للعبادة جديرٌ بها، وذلك لأنه:
• يستحق العبادة لذاته، فهو صاحب صفات الكمال ونعوت الجلال وآيات الجمال، وهو صاحب العلم المحيط والحكمة البالغة والقدرة المطلقة والمشيئة النافذة، فهو مستحق للعبادة والحب والحمد والتعظيم كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه تبارك وتعالى. فالله جل وعلا هو الوحيد الذي يستحق العبادة لذاته، لهذا فإن العلاقة الطبيعية المنطقية بين ذات الخالق وذات المخلوق؛ أن المخلوق يعبد خالقه.
• كذلك هو يستحق العبادة لأفعاله، لأجل ما أنعم به على عباده، قال تعالى: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} ، ونعم الله على عباده كثيرةٌ بثيرةٌ لا يقدر على إحصائها مخلوق، قال عز وجل: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} ، فالله قد غمر العباد بنعمه وآلائه في كل لحظة، لهذا هو مستحق للعبادة، وهو يحب أن يُعبد، ويُجازي على هذه العبادة، لكنه ليس مفتقرًا لها ولا محتاجًا إليها.
فالله جل وعلا يستحق العبادة لذاته ولأفعاله، لهذا أمرنا أن نعبده.
فأمر الله عز وجل إيانا أن نعبده هو مقتضى العدل، لأنه مستحق للعبادة لذاته ولأفعاله وإنعامه على مخلوقاته، فالواجب على مخلوقاته أن تدين له بالعبادة والحمد والتقديس، وهذا هو حق الله على عباده، ومن العدل أن يُعطى الحق لصاحبه، حتى لو لم يكن محتاجًا إليه، كما أن الديون لا بد أن ترد إلى أصحابها مهما كانوا أغنياء لا يفتقرون إلى المال، ولله المثل الأعلى. فإن الله هو الحق الذي وضع الموازين ليوم القيامة فلا تُظلم نفسٌ شيئًا، فكيف يقبل هو الظلم على نفسه، وهو الملك العزيز الحكيم؟!
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فإن حق العباد على الله أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئًا)) . فالواجب على كل واحد منّا أن يؤدي حق الله عليه وإلا صار مستحقًا لعقاب الله، وهذا هو مقتضى العدل والحق والحكمة.
لأجل هذا فإن الله يحب أن يُعبد، فالله يحب كل خيرٍ ويبغض كل شر، فهو يحب العدل والحق، ويحب أن يُعبد لأن هذا هو عين العدل وعين وضع الشيء في موضعه، فصرف العبادة لله هو من الخير الذي يحبه الله ويرضاه، لأنه عدلٌ وحكمةٌ ووضعٌ للشيء في موضعه، وهو حق الله تبارك وتعالى، والله يحب إعطاء كل ذي حق حقه لا ينقص منه شيئًا صغيرًا أو كبيرًا.