سؤال الأخلاق وجواب الإلحاد

image_printطباعة وتحميل هذا المقال

تعتبر القيم الأخلاقية مسألة فطرية راسخة مركوزة في النفس غير مكتسبة، وتعتبر من الأدلة على وجود الله سبحانه وتعالى وخالقيته لهذه الفطرة الأخلاقية. ويخالفنا الملاحدة زاعمين أن الأخلاق إنما هي نتاج المجتمع والبيئة والتلقين، ونحن نوافقهم في وجود دور للمجتمع والبيئة والتلقين في التأثير على المنظومة الأخلاقية لدى الفرد، لكن هذا لا يعني انتفاء الفطرة على الإطلاق، بل لا تزال موجودة وحاضرة على مستوى القيم والمبادئ الأخلاقية المطلقة مثل الصدق والأمانة وعدم إيذاء الغير. هذه المبادئ المطلقة في حال التطبيق وعلى أرض الواقع تكون مرتبطة بالعديد من المحددات والمقيدات والارتباطات تخرج بها من الحالة المطلقة إلى حالات متعددة جزئية تختلف في حكمها حسب ارتباطها بمبادئ النفعية والحاجة و الضرورة و غيرها من المقيدات الواقعية، وتكون الارتباطات بينها على أرض الواقع مختلفة من حيث درجة التعقيد والبساطة، حيث بعض المبادئ حسابات المصالح والمفاسد في ارتباطاتها تكون مباشرة يسهل إدراكها على عامة الناس، لهذا تجد شبه إجماع عليها، وبعضها الآخر ارتباطاتها دقيقة ومتشعبة مما يجعل التفريق بين الأحوال التي تكون مباحة فيها والأحوال التي تكون محرمة فيها متعذرة على أغلب العقول البشرية. لهذا تجد اختلافا شديدا بين الناس في تحديدها مما يفرض ضرورة الرجوع إلى حكمة أعلى و أكبر من الحكمة البشرية مدركة لتعقيدات المصالح والمفاسد في الوجود لتحكم فيما يختلف فيه الناس. ولهذا فلا تظنن أن من قرر إلقاء قنبلة هيروشيما مثلا لم يكونوا على دراية بالمنظومات القيمية والأخلاقية بل منهم من كان على تكوين عال من الناحية الحقوقية، إلا أن حساباتهم لنفعية هذه الحقوق في الظروف الاستثنائية والموازنة بين مفسدة القتل الجماعي ومفسدة استمرار حرب كونية مع انعدام مرجع أعلى من ذواتهم أنفسهم في تحديد الحدود القيمية في جميع الظروف -وذواتهم هي طرف في الصراع نفسه- مما أدى إلى تيقنهم بمبدأ أن القوي هو من يصنع القيم والحقائق والأخلاق. كل هذا أدى لعدم ضبط معيار المعاملة بالمثل وأدى الى الكارثة المعروفة .. وقد سمعت لونستون تشرشل في مجلس اللوردات أثناء الحرب يقول إننا في هذا الظرف لو استفتينا الناس الآن إن كان يجب علينا قذف مساكن المدنيين النازيين على نسائهم وأطفالهم كما يقصفونها على نسائنا وأطفالنا بالمثل لكانت النتيجة أغلبية ساحقة، وبالفعل تم تهميش المعارضة القليلة في مجلس العموم البريطاني المنادية باحترام المواثيق الدولية في عدم التعرض للمدنيين. فهذا يدلك على أن القيم والمبادئ المطلقة عند تطبيقها تتشابك وتقيد بعضها بعضًا، وتحديد تشابكاتها وتوافقها مع معيار الصواب والخطأ قد لا تستطيع إدراكه كبار العقول البشرية لدقتها، وهي إشكالية معروفة عند من درس أصول القانون الدولي وفلسفته.

أما الملاحدة فينكرون وجود القيم الأخلاقية المطلقة ابتداءً ولا يعترفون إلا بتأثير المجتمع والبيئة والتلقين، وينكرون بطبيعة الحال الاحتياج أو الافتقار إلى حكمة أعلى لتحديد معايير الصواب والخطأ، فالأخلاق عندهم ذاتية انطباعية مصدرها الشخص نفسه، وليست موضوعية ذات حقيقة مطلقة في الخارج، لهذا تجدهم يخضعون الأخلاق للمنفعة واللذة ولا يأبهون لاعتبار الفطرة التي تنأى عن القبائح والفواحش. ففي الدنمارك التي توجد بها أغلبية ملحدة نجد أستاذ القانون الدانماركي البروفيسور فاجن جريف Vagn Greve يطالب بعدم تجريم زنا المحارم[1]، ويعلل ذلك بأنه طالما العلاقة بين بالغين بمحض إرادتهما الحرة، فلا يحق للدولة التدخل والعقاب، ويقترح حذف القانون الذي يعاقب بالسجن ست سنوات من يمارس زنا المحارم. وهناك غيره من الأحزاب السياسية في الدنمارك من يرى أن هذا التجريم “موضة قديمة” ولابد من زواله، ومن علماء الجينات من يرى أن التزاوج داخل العائلة الواحدة قد يكون مفيدًا من الناحية البيولوجية ![2] كذلك مجلس “الأخلاق” الأماني يدعو لتقنين زنا المحارم وعدم تجريمه ![3] لأجل هذا دافع الملحد لورانس كراوس Lawrence Krauss عن زنا المحارم في مناظرته مع الداعية الإسلامي حمزة تزورتزس Hamza Tzortzis زاعمًا أنه لا غضاضة فيه[4]. ثم قام ريتشارد دوكينز بدعمه في تغريدة له على تويتر معبرًا فيها عن احتقاره لمن يستنكرون زنا المحارم أصلاً[5].

وعلى نفس المنوال يدعو البروفيسور الاسترالي الملحد بيتر سينجر Peter Singer إلى تشجيع ممارسة الجنس مع الحيوانات bestiality وعدم اعتباره من المحرمات![6] كذلك تدعو آن هيندرشوت Anne Hendershott أستاذ علم النفس والاجتماع بمراجعة مفهوم الممارسة الجنسية مع الأطفال pedophilia وعدم الخجل منه، بل الاحتفاء به![7]

وعلى مستوى آخر يدعو بعض الباحثين المتخصصين في الأخلاق الطبية إلى عدم اعتبار قتل الأطفال جريمة لأن الطفل مثله كالجنين ليس شخصًا كاملاً ولم يكتسب بعد حق الحياة، فلا فرق “أخلاقي” بين الإجهاض وقتل الأطفال[8]، ويؤيد ريتشارد دوكينز هذا الكلام بأنه لا يعترض إطلاقًا على قتل الأطفال infanticide، بل يشجعه[9]، ثم هو يرى أنه لا غضاضة في الإجهاض مبررًا هذا بأن الجنين أدنى منزلة من الخنزير[10].

وبمناسبة قتل الأطفال، لا ريب أن عديدًا من الممارسات التي أنكرها الإسلام عند العرب الجاهليين مثل وأد البنات وقتل الأطفال خشية العار أو خشية الفقر والإملاق كان لها عند القوم مبررات ومسوغات، ولا ريب أنه كان لها منظرون ومتكلمون بارعو اللسان يسوغونها ويقررونها أحسن تقرير حسب القيم والمبادئ المجتمعية في هذه العصور البعيدة، لكن الإسلام جاء بتقرير أن منح الحياة وسلبها هو حق حصري مطلق لله عز وجل، وأنه لا يجوز لأحد من البشر سلب هذه الحياة من أي مخلوق إلا بأمر الله تعالى، سواء كان أمرًا مباشرًا كما في قصة الخضر عليه السلام مع الغلام أو أمرًا عامًا كتشريع القصاص من القاتل. وبالتالي فلا يجوز في الإسلام قتل الأطفال خشية العار أو الفقر أو حتى لمسوغات طبية أو اجتماعية تربوية، فالمبدأ قد تقرر أن الحياة البشرية فوق كل هذه الاعتبارات.

وطالما بلغنا هذه النقطة فللمرء أن يتوقف متعجبًا من هؤلاء القوم الذي يبيحون الزنا مع الأطفال والمحارم والحيوانات، ثم تجدهم يستنكرون زواج النبي صلى الله عليه وسلم من السيدة عائشة رضي الله عنها وهي في سن التاسعة، رغم أنها كانت حينها في سن البلوغ، أو يطعنون في تشريعات إسلامية مثل تعدد الزوجات أو سن الزواج أو ملك اليمين أو غيرها. فلا ريب أن من يسعى لإبراز جانب المصلحة والحكمة في هذه التشريعات سيكون كلامه أكثر قبولاً بمراحل عند المنصف من تبريرات الملاحدة لارتكاب الفواحش مع المحارم والأطفال والحيوانات.


[1] Adult Cousin & Sibling Incest Marriage is Justified, even legal, says Dr. of Law Prof. Vagn Greve:

https://www.youtube.com/watch?v=ytO4tWsAAXQ

[2]  Aarhus siblings’ love child sets off incest debate:

http://cphpost.dk/news/aarhus-siblings-love-child-sets-off-incest-debate.3273.html

[3]  German ethics council calls for incest between siblings to be legalised by Government

http://www.independent.co.uk/news/world/europe/german-ethics-council-calls-for-incest-between-siblings-to-be-legalised-by-government-9753506.html

[4]  Incest is not clearly wrong – Lawrence Krauss:

https://www.youtube.com/watch?v=iCfFQlDvetg

[5]  https://twitter.com/RichardDawkins/status/312320023035273216

[6]  Atheism and Bestiality – Atheist Peter Singer:

https://www.youtube.com/watch?v=2pG01ASbgyM

[7]  Meet the academics who are trying to redefine pedophilia as ‘intergenerational intimacy’:

http://www.lifesitenews.com/opinion/meet-the-academics-who-are-trying-to-redefine-pedophilia-as-intergeneration?

[8]  Killing babies no different from abortion, experts say:

http://www.telegraph.co.uk/health/healthnews/9113394/Killing-babies-no-different-from-abortion-experts-say.html

[9]  https://twitter.com/RichardDawkins/statuses/502106262088466432

[10]  Atheist Dawkins supports infanticide:

https://www.youtube.com/watch?v=8IOL12MvXXQ

‎أضف رد

I don't publish guest or sponsored posts on this site. But thanks anyway. :)

:

‎بريدك الإلكتروني لن يظهر لأحد