الدين وسؤال المعنى

image_printطباعة وتحميل هذا المقال

(الدين وسؤال المعنى)

إنّ الفعل الإلهي لا يمكن النظر إليه والتفكير فيه مجرداً عن الحكمة الإلهية، إذ لا يُمكن فصل فعل الله عن حكمته، فالله سبحانه لا يفعل عبثاً ولكنّه يفعل بحكمةٍ ولحكمةٍ معينةٍ.

فإذا كان فعل الله سبحانه مُتمثّلاً في حلق الإنسان تحديداً وهو الكائن المُركّب تركيباً خاصاً فريداً عن باقي المخلوقات حيث اختصّه الله بالإدراك والإرادة والبحث عن الحكمة والتساؤل الغائي المُستمر، فحينها يكون السؤال الصحيح ليس عن وجود الحكمة من خلق الإنسان من عدمها، ولكن السؤال الصحيح هو ما هي تلك الحكمة الإلهية من خلق الإنسان والكون بأسره؟

كما ذكرت أنّ من مقتضى ولازم اتصاف الله عزوجل بالحكمة أنه لم يخلق ذلك الكون عبثاً ولكن خلقه لحكمة وهدف ولكن من الذي يستطبع إدراك تلك الغاية الإلهيّة من الوجود؟!

في الحقيقة الوحيد القادر على إدراك تلك الحكمة هو الإنسان لِما اختصّه الله به ملكات وإمكانيات لم يُعطها لأحدِ غيره، فهو بذلك المؤهل الوحيد للتواصل مع الخالق ومعرفة سر الوجود والغاية من الحياة..

يقول دكتور/عبدالكريم زيدان:(ولهذا كان من لوازم الإيمان بالله رباً وإلهاً الإعتقاد برسل الله، وأن إنكار رسله يتضمن الجهل بالله وتنقيصه وعدم تقديره حق قدره، قال تعالى:”وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ”)*.

 والحياةُ بدون دينٍ قد يكون لها صورتان مُختلفتان، إمّا أن يكون الشخص غير مؤمنٍ بالفعل بوجود الأديان والرسل إيماناً نظريّاً، وهذا بدوره قد فقد المعنى من الحياة 

والغاية من الوجود، لأنّ الشخص حين يُنكر التواصل الإلهي مع البشر(بإنكاره الدين) فإنّه يفقد حينها الشعور بالأهمّيّة والمركزيّة في ذلك الكون ويصير بلا قيمة تُذكر شأنه شأن سائر الحيوانات بل أكثر ضلالاً لأنّه في الأخير مُركّبٌ تركيباً مُغايراً فهو مجبولٌ على التفكير والبحث عن الحكمة والتواصل والتساؤل فهو واقعٌ بذلك بين إلحاح الأسئلة الوجوديّة من جهةٍ وبين نظرته العبثيّة للحياة من جهةٍ أُخرى، وقد جسّد القرآن العظيم حال هؤلاء بأنّهم أضلّ من الأنعام وهو تشبيه دقيق لحالهم حيث امتلاك السمع والبصر والمدخلات الحسية ولكن عدم القدرة على الإستفادة بهم والتوصّل من خلالهم إلى أي معرفة أو هداية.

“أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا”.

الصورةُ الأخرى للحياةِ بدون دينٍ هي أن يكون الشخص فاقداً للإيمان العمليّ بمعنى أنّه يعيش حياته بعيداً تماماً عن الدين وتصوّراته والتزاماته مثله مثل الملحد على الرغم من إقراره الداخلي وإيمانه النظري بالله والأديان والغاية من الخلق إلّا أنّه انشغل عنها تماماً بتفاصيل الحياة اليوميّة والإستغراق فيها، وهؤلاء أيضاً قد جسّد القرآن أحوالهم من الغفلة واللهو والإعراض واللعب وعدم التعامل مع ما يعتقدونه من وجود الله واليوم الآخر بما يُناسبه من جِدّيّة واهتمام يتجلّى في تحقيق العبودية الخالصة لله واستشعار معاني الخوف والرجاء تحقيق التقوى إلى غير ذلك من أحوال المخلصين الصادقين.

“اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ، مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ، لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ”.

ومثل هؤلاء يصف الله عزّوجلّ حالهم يوم القيامة مُندّماً لهم ومُنغّصاً عليهم فوات الأوان وضياع السنين فيقول:”أمّاذا كنت تعملون”؟!

“حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ”.

……………………………….

(*) انظر: أصول الدعوة للدكتور عبدالكريم زيدان صفحة ٢٦.

‎أضف رد

I don't publish guest or sponsored posts on this site. But thanks anyway. :)

:

‎بريدك الإلكتروني لن يظهر لأحد