الماء والهواء

image_printطباعة وتحميل هذا المقال

(الماء والهواء)

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:”وكلما كانت حاجة الناس إلى معرفة الشئ وذكره أشدّ وأكثر، كانت معرفتهم به وذكرهم له أعظم وأكثر، وكانت طُرق معرفته أكثر وأظهر، وكانت الأسماء المُعرِّفة له أكثر وأدلّ، ولما كانت حاجة النفوس إلى معرفة ربها أعظم الحاجات كانت طرق معرفتهم له أعظم من طرق معرفة ما سواه”(١).

وهذا الكلام يعني ببساطة أنّ الله عز وجل يوفر من الأدلة على صحة المعتقد ما يتناسب مع مركزيته وأهميته في البناء والتّصور العقدي.

إنّ مسألة وجود الإله الخالق هي بالطبع أساس كل معرفة واعتقاد، وهي المحور الذي تدور حوله كل المعارف والتصورات ولذلك كان الدليل عليها ضرورياً وفطرياً.

نستطيع القول بأنّ الأدلة على وجود الله كالهواء فهو مع شدة الإحتياج إليه يأتيك رغماً عنك دون بحث أو عناء، ولكن ماذا عن الأدلة على صحة الدين أو الرسالة التي أنزلها الله للبشر أجمعين والتي هي من لوازم حكمة الله خالق الكون والإنسان؟

بلا شك مسألة صحة الدين هي من المسائل والقضايا العقدية المركزية والتأسيسية وهي تأتي في المرتبة التالية لقضية وجود الخالق الحكيم من حيث الأهمية في البناء والتصوّر العقدي.

لذلك فإنّ الأدلة على صحة الدين أشبه بالماء الذي هو ضروري لأصل الحياة البشرية واستمرارها ولكنّه لا يأتيك رغماً عنك كالهواء وإنّما تتحصّل أنت عليه وتسعى حتى تصل إليه، فهو متوفرٌ أمامك بإستمرار وتستطيع أن تصل إليه ولكنه فقط يحتاج قليل من السعي والبحث، وقد يُغنيك الله من عناء البحث وبذل الجهد بأن تكون قد وُلدت لأبوين يعلمان جيداً طريق الماء وقد أخبراك عنه منذ الصغر وقد اكتشفت أنت بنفسك أنّ هذا الطريق بالفعل يُوصلك إلى ما تحتاج إليه من الماء فحينها يكون من العبث البحث عن طريقٍ آخر إلّا إذا وجدت أنّ هذا الطريق الذي دلّك عليه أبويك يُفضي إلى ماء آسنٍ مُلوثٍ غير صالحٍ للشرب فحينها يلزمك البحث عن طريقٍ آخرٍ لماء صافٍ نقيٍ غير مُلوّثٍ بالأوساخ والأدران.

ما ذكرته هنا في هذا المقال هو بمثابة مقدمة لسلسة من المقالات التي ستتحدث فيها بإذن الله عن ضرورية الدين وهل هناك بالفعل حاجة بشرية مُلحّة إليه أم أنّنا نستطيع تفسير الوجود والحياة والإنسان دون الحاجة إلى ذلك التواصل الإلهي مع البشر من خلال الرسل والدين والوحي ثمّ نتحدّث بعد ذلك عن بعض الدلائل على صحة الإسلام وأنّه هو الدين الحق المُعبّر عن الحكمة الإلهية من خلق الله الكون والإنسان والوجود والحياة.

………………………………………………………………

(١) انظر: درء تعارض النقل والعقل لشيخ الإسلام ابن تيمية (٣/ ٣٣٠-٣٣١).

‎أضف رد

I don't publish guest or sponsored posts on this site. But thanks anyway. :)

:

‎بريدك الإلكتروني لن يظهر لأحد