كلمة الوحي 

image_printطباعة وتحميل هذا المقال

 لدينا في نصوص الوحي المنزل أن الله قد خلق آدم بيده من تراب، ونفخ فيه من روحه، وهذا يفيد أنه لم يتطور من كائنات أخرى سابقة. وأنه ليس له أب ولا أم.

هكذا ورد في الوحي ونُقل إلينا وفُهم على مدار العصور، وعليه إجماع أهل الإسلام وأهل الكتاب
حتى جاء داروين.

في قوله تعالى :” إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ” [آل عمران: ٥٩]، برهان جليّ يفيد أن آدم مخلوق من غير أب وأم، فالآية واردة في سياق احتجاج القرآن على منكري كون عيسى – عليه السلام- مولود بدون أب، فاحتج عليهم الله – عز وجل- بأن هذا مثله مثل خلق آدم الذي كان بدون أب أو أم.

 ولا تستقيم الحجة القرآنية أبدًا إلا بأن يكون آدم فعلاً بلا أب وأم، وإلا فما هو وجه الحجة في الآية على منكري كون عيسى مولودًا بلا أب؟ لأجل هذا فإن دلالة الآية على كون آدم بلا أب وأم فهي دلالة قطعية يقينية محكمة؛ لأنه لا يوجد أي تأويل آخر للآية، ولا يخطر بالبال أي معنى آخر لها إلا بإهدار اللغة والسياق والعقل.

ومن الحديث الصحيح في قصة خلق آدم ما رواه مسلم في صحيحه عن أنس أن رسول الله ﷺ قال :” لما صور الله آدم في الجنة تركه ما شاء الله أن يتركه فجعل إبليس يطيف به ينظر ما هو فلما رآه أجوف عرف أنه خلق خلقًا لا يتمالك”.
فهذا حديث صحيح صريح في أن الله خلق آدم بيده في الجنة خلقًا مستقلاً قبل نفخ الروح به، ومحاولة تأويل هذا الحديث لإفادة العكس تستعصي على أكبر المتكلفين، ولم يجد الساعون لتأويله بعكس معناه قولاً فيه إلا جعله من المتشابه مع وضوح لفظه وجلاء معناه.

فلو كان الله خلق آدم عن طريق التطور من أسلاف سابقين هو الحق لصرح الرسول ﷺ به، ولما حكى ما يعارضه وينفيه بهذا الوضوح وهذه الصراحة، بل كان الأولى أن يذكر التطور صراحة في هذا المقام؛ حيث إن القرآن يقرر بوضوح : ” مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ” [الكهف: ٥١] فهذا يفيد أنه لا سبيل للبشر لمعرفة بدء الخلق، وأن الوحي هو السبيل الوحيد، فكان الأولى حينئذٍ- إن كان التطور هو الحق- أن يخبر المؤمنين بهذا بدلاً من أن يخبرهم بالعكس أو أن يستعمل عبارات أو ألفاظ لا تحتمل معنى التطور بأي اعتبار.

وكذلك في الحديث عن أبي موسى الأشعري-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله ﷺ : ” إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنوآدم على قدر الأرض، جاء منهم الأحمر والأبيض والأسود، وبين ذلك، والسهل والحزن، والخبيث والطيب”.

ومعلوم أن الله-تعالى- لا يخاطب عباده وكذلك الرسول لا يخاطب أمته إلا بما يفهمونه ويعرفونه من كلامهم ولغتهم، لا بما تشق فيه الفهوم وتجهد فيه الأذهان، لأن مهمة الرسل هي دعوة الناس بمنتهى الوضوح وأفضل البيان، وإلا فمن السهل على رسول الله ﷺ أن يبين لقومه إن آدم مخلوق من أب وأم من جنس آخر أومن أسلاف من أشباه البشر عن طريق التطور.

‎أضف رد

I don't publish guest or sponsored posts on this site. But thanks anyway. :)

:

‎بريدك الإلكتروني لن يظهر لأحد

‎مؤخرة الموقع