التعامل مع المخالف

image_printطباعة وتحميل هذا المقال

 بسم الله الرحمن الرحيم

بعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم..
مما لا شك فيه أن الله سبحانه وتعالى خلقنا جميعًا مختلفين في كثير من الأشياء؛ ففينا اختلاف اللون (أبيض وأسود وقمحي وغير ذلك)، واختلاف الألسن (عربي وأعجمي)، واختلاف الطبائع، والعادات، وغير ذلك من الاختلافات التي خلقها الله تعالى بين البشر.

عقولنا التي نفكر بها ليست واحدة، ونظاراتنا الخاصة بكل الأشياء حولنا ليست واحدة، سواء أكانت في أمور الكون أو الدين أو غير ذلك.

وفي ذلك يقول الله تبارك وتعالى: ” وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ۝ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِين [هود:118-119″

فطبيعة الحياة باختلاف الألوان والألسن والأفكار والتصورات والعواطف والقلوب. وكل هذا من حكمة الخالق البالغة في خلق مثل هذا التنوع وهذا الاختلاف.
يقول الخالق تبارك تعالى: ” وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ” [المائدة : 48]
والاختلافات تنقسم إلى قسمين : خلافات تنوع، مثل التي تحدثنا عنها بالأعلى، والقسم الثاني خلافات تضاد؛ وهذا النوع الثاني هو المعني هنا في هذا المقال خصوصًا أننا حينما نتكلم عن اختلافات التضاد نتكلم عن اختلافات العقائد والأفكار والتصورات.

وفي اختلاف التضاد هناك آداب العامة للحوار -والتي إن فقدناها سنكون بذلك على خطر عظيم- ومنها:

 الإخلاص وحسن القصد :
فالإخلاص شرطٌ في جميع الأعمال؛ والإخلاص أن يترك الشخص الرياء فنصفي العمل بأن تكون النية صالحة من جميع شوائب الشرك، ويكون القلب مخلص لله، يحاول التخلص من حب الشهرة أو المدح وأنا أجادل أو أناظر. والإخلاص شرط من شروط قبول العمل، ” وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ “

فالله تعالى يحب أن يكون العمل خالصًا لوجهه الكريم، ولن يقبل الله من العمل إلا ما أريد به وجهه. يقول تعالى : ” وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا” [الفرقان: 23]؛ هذا العمل الذي أصبح هباءً منثورًا تذروه الرياح فقد الشرط الشرعي، فقد قوة الحياة، فقد الروح التي توجد في هذا العمل الذي فيه روح الإخلاص ” إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ” [فاطر :10]

وفي الحديث الشريف: إنَّ أوَّلَ الناسِ يُقْضَى يومَ القيامةِ عليه رجلٌ اسْتُشْهِدَ ، فأُتِيَ بهِ ، فعَرَّفَهُ نِعَمَهُ ، فعَرَفَها ، قال: فما عمِلْتَ فيها ؟ قال : قاتَلْتُ فِيكَ حتى اسْتُشْهِدْتَ ، قال : كذبْتَ، ولكنَّكَ قاتَلْتَ لِيُقالَ جِريءٌ، فقدْ قِيلَ، ثمَّ أُمِرَ بهِ فسُحِبَ على وجْهِهِ حتى أُلْقِيَ في النارِ، ورجلٌ تعلَّمَ العِلْمَ وعلَّمَهُ، وقَرَأَ القُرآنَ، فأُتِيَ بهِ فعَرَّفَهُ نِعمَهُ، فعَرَفَها ، قال : فما عمِلْتَ فيها ؟ قال: تعلَّمْتُ العِلْمَ وعلَّمْتَهُ، وقَرَأْتُ فِيكَ القُرآنَ، قال : كذبْتَ، ولكنَّكَ تعلَّمْتَ العِلْمَ لِيُقالَ عالِمٌ، وقرأْتَ القُرآنَ لِيُقالَ: هو قارِئٌ فقدْ قِيلَ، ثمَّ أُمِرَ بهِ فسُحِبَ على وجْهِهِ حتى أُلْقِيَ في النارِ، ورجُلٌ وسَّعَ اللهُ عليْهِ، وأعْطاهُ من أصنافِ المالِ كُلِّهِ، فأُتِيَ بهِ فعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فعَرَفَها، قال: فمَا عمِلْتَ فيها ؟
قال: ما تركْتُ من سبيلٍ تُحِبُّ أنْ يُنفَقَ فيها إلَّا أنفقْتُ فيها لكَ ، قال: كذبْتَ ولكنَّكَ فعلْتَ لِيُقالَ: هوَ جَوَادٌ ، فقدْ قِيلَ : ثمَّ أُمِرَ بهِ فسُحِبَ على وجْهِهِ ، ثمَّ أُلْقِيَ في النارِ.
نسأل الله تعالى أن نكون من أهل الإخلاص والقبول في الدنيا والآخرة، لأن الكلمة يوم القيامة في الميزان أثقل من الجبال.

 العدلُ والإنصاف:
بلا شك فإن الإنسان الذي يتعامل مع المخالفين لابد أن يكون عنده عدل كالميزان؛ لأن الله تعالى قال : ” “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ”. > قسم دراسة الإلحاد – مركز الفتح للبحوث والدراسات: إذن فكما أمرنا الله تبارك وتعالى لابد أن يكون لدينا عدل مع الخالف بعيد عن الانتصار للنفس.

 عدم القول بغير علم:
يجب أن نعلم وننتبه أن الله تعالى حرم القول بغير علم، وكون أن كلنا يريد أن يكون داعية إلى الله سبحانه وتعالى، نريد أن نفهم ونتدبر، نريد أن نستزيد من الرصيد المعرفي في إثراء العقل وفي نفس الوقت إثراء القلب بهذه العلوم الشرعية التي تقربنا إلى الله سبحانه وتعالى، إلا أننا في نفس الوقت منهيون عن القول بغير علم كما يقول تعالى : ” وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السمع والبصر والفؤاد كُلُّ أولئك كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً” [الإسراء : 36]

بل إن الله جعل الكلام بغير علم من أكبر الكبائر ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ) وهذا أول نوع من أنواع الحرام؛ وأما الثاني : ” وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ” ، وأما الثالث : ” وَأَن تُشْرِكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِۦ سُلْطَٰنًا “؛ وأما الرابع: ” وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ” [الأعراف: 33]
فلابد أن يحذر كل واحد منا أنا يناظر فيما لا يفقه لأن هذا أمر خطرٍ جدًا فالله تعالى بكت أهل الكتاب عندما جادلوا بغير علم: ” هٰأَنْتُمْ هَؤُلاۤءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ”

 معرفة مذهب وطريقة تفكير ونظريات ومعتقدات المخالف:
فالذي يذهب إلى المعركة بلا سلاح وعدة لا يسمى مجاهد، والعاقل لا يقاتل بغير عدة، ولايخاصم بغير حجة ، ولا يصارع بغير قوة.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : ” أنا أعلم كل بدعة حدثت في الإسلام، وأول من ابتدعها، وما كان سبب ابتداعها” وهذا دليل على استعداده لمناقشة أهل البدع وكان يقرأ عنهم أكثر منهم، فكان يعرف بعض البدع أكثر من أصحابها.

 مراعاة قدر الشخص الذي أناقشه أو أناظره:
ومن ذلك احترام المخالف والتواضع وعدم التحقير من شأنه، ومراعاة السن- فقد يكون الذي أناقش معه أكبر مني سنًا- ومراعاة العلم والمكانة أو المنزلة.

 المجادلة بالحسنى:
” ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ” [ النحل : 125]
ويتطلب ذلك الإصغاء الجيد وعدم المقاطعة، والرفق وترك الغلظة وأن تنظر إليه نظرة الإنسان الذي تريد له الخير، و تذكر أن الإنسان الذي يألف الباطل يحتاج قلبه إلى جهد ومشقة ليزول منه. وكما قال الخطابي عن المجادلة بالحسنى : ” فإن مثل هذه المجادلة تقيم الحجة ولا تورث الوحشة”.

 عدم الإفراط في مدح المخالف أو المناظر:
فالإفراط قد يجعل الإنسان يفرط في الاحتياط فيستولي عليه الخذلان ولا يستطيع أن يناظر هذا الخصم؛ فالتوسط والاعتدال مطلوبان؛ والتضخيم أو التهوين غير مرحب بهما كما قال تعالى: ” وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا ” [ الفرقان : 67 ]

 الاتفاق على أسس في الحوار:
حتى لا ندخل في عشرات المسائل وعشرات التفريعات، لابد أن تكون هناك أسس ومقدمات وكليات يتم البناء عليها.

 عدم الالتفات إلى جموع الناس أو الجمهور في حال وجودهم، وإنما الانشغال يكون بحسن القصد وحسن النية وقوة الحجة.

 محاولة النقاش في حال اعتدال المزاج.
حتى يكون الحكم عدلاً، ولتجنب الحدة والضجر ورفع الصوت.

 عرض الكلام على القلب والعقل :
عرضه على القلب بالإخلاص لله تعالى وحسن القصد، وعلى العقل : بالأدب والاعتدال ومطابقة الحق والمسألة التي أتكلم فيها ، وكما قيل: الكلمة أسيرة في وثاق الرجل، فإذا تكلم بها صار في وثاقها.

هذه باختصار وإجمال أهم النقاط التي يجب أن نراعيها في التعامل مع المخالف، جزاكم الله خيرًا على حسن المتابعة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

‎أضف رد

I don't publish guest or sponsored posts on this site. But thanks anyway. :)

:

‎بريدك الإلكتروني لن يظهر لأحد

‎مؤخرة الموقع