جواب شبهة تناقض العلم الإلهي

image_printطباعة وتحميل هذا المقال

هناك شبهة يطرحها الملحدون بخصوص علم الله المطلق، وخلاصتها أن الله العليم يعلم المستقبل ويعلم ما سوف يقع في المستقبل وما سوف يفعل في المستقبل، وطالما هو يعرف ماذا سيفعل في المستقبل، فهو لن يقدر أن يغير أفعاله عما هو مقرر سابقًا في علمه المطلق المحيط، وعدم قدرته هذه تتنافى مع كونه مطلق القدرة وعلى كل شيء قدير. ويطرح الملحد الشهير ريتشارد دوكينز هذه الشبهة مؤكدًا أنه لا يمكن الجمع بين صفات العلم المطلق والقدرة المطلقة في ذات واحدة، ثم يستشهد ببيت شعري لكارين أوينز Karen Owens معناه: هل يمكن لله العليم أن يجد في نفسه القدرة على تغيير علمه بالمستقبل؟[1]

والحقيقة أن هذه الشبهة تشتمل على فهم مشوه للصفات الإلهية، فكما لا يفهم الملحد متعلقات القدرة الإلهية، هو كذلك لا يفهم معنى صفة العلم التي هي في جوهرها صفة كاشفة وليست مؤثرة، بمعنى أن علم الله بالمستقبل لا يؤثر على المستقبل، بل هو مجرد كاشف له واطلاع عليه لا أكثر. لأجل هذا نحن نقول دومًا إن علم الله بالمستقبل لا يؤثر في سير الأمور بالمستقبل ولا يحدد وجهتها، لأن التأثير والفعل من مقتضيات الصفات الفعلية المرتبطة بالإرادة، فحقيقة أن الله يعلم المستقبل لا تعني أنه مجبر على فعل المستقبل حسب علمه، بل هذا هو مجرد انكشاف للمستقبل لا أكثر. ولوضع المسألة في صورتها الصحيحة ينبغي كذلك أن يكون واضحًا أن علم الله بالمستقبل لا يؤثر كذلك على أفعال العباد الإرادية في المستقبل ولا يمثل إجبارًا لهم على التصرف بشكل معين، بل صفة العلم هي صفة كاشفة لا أكثر، والعلم المستقبلي هو مجرد انكشاف المستقبل للذات العالمة، وليس هو صفة مؤثرة في المستقبل سواء في أفعال الله أو أفعال العباد، لأن مصدر التأثير ليس هو صفة العلم بل صفة الإرادة.

لذا نقول في جواب هذه الشبهة إن قدرة الله وإرادته غير محدودة، وهو جل وعلا فعال لما يريد وعلى كل شيء قدير، ومهما كانت إرادته وأفعاله المستقبلية فإن علمه المستقبلي هو محض انكشاف هذه الأفعال له تبارك وتعالى واطلاعه عليها قبل وقوعها، وليس هذا العلم المستقبلي مصدر تأثير أو إجبار لله على فعل معين حتى يؤدي هذا إلى الحد من قدرته المطلقة كما يتوهم الملاحدة. ((فإن الرب إذا علم من نفسه أنه سيفعل كذا، لا يلزم من علمه ذلك انتفاء قدرته على تركه، وكذلك إذا علم من نفسه أنه لا يفعله، لا يلزم منه انتفاء قدرته على فعله))[2]. وبهذا الجواب تنزاح الشبهة تمامًا، وتبقى بعدها كلمات كارين أوينز كصحراء جرداء يلقي المرء فيها نظره لتكون له عبرة كديار عاد وثمود.


[1]  Richard Dawkins, The God Delusion, p, 78

[2] ابن أبي العز الحنفي ، مصدر سابق ص248

‎أضف رد

I don't publish guest or sponsored posts on this site. But thanks anyway. :)

:

‎بريدك الإلكتروني لن يظهر لأحد

‎مؤخرة الموقع