ما بعد الزلزال…

image_printطباعة وتحميل هذا المقال

تابعنا جميعا الزلزال الذي ضرب مناطق في تركيا وشمال سوريا وضرب معه قلوبنا توجعاّ لوجع وألم إخواننا، لكن الحزن كسائر المشاعر قد يفلت زمامه، فيصير سخطا أو غضبا ينسى العبد في غماره أنه عبد وأن الرب رب، فلعلنا في هذه النقاط السريعة نعرج بأضواء المسار لطائرة قلوبنا التي من غيرها ستهبط في غير الموضع الذي يحبه الله منا ويرضاه؛
من خلال عدة قواعد مهمة:👇

🔶 ((والله يعلم وأنتم لا تعلمون)) 🔶
لا بد للتأسيس لنقطة هامة جدًا في كل أسئلة القدر والحكمة وهي أول جواب القرآن عن هذا السؤال لما سألن الملائكة عن الحكمة من خلق البشر (قال إني أعلم ما لا تعلمون) سورة البقرة،  فالله له الحكمة البالغة لا يشوبها نقص، أما حكمتنا وعلمنا ناقصان، وهذا معلوم بالحس والمشاهدة، فأي واحد منا -حتى المتكبرين- يعلم أن ما يجهله أكثر بكثير مما يعلمه بل لا مقارنة أصلا فما يعلمه الإنسان حقيقة كنقطة لا تذكر قي بحر كبير يجهله سواء عن ماضيه أو حاضره فضلا عن مستقبله، لذلك قال الله عز وجل عن نفسه : (لَا یُسۡـَٔلُ عَمَّا یَفۡعَلُ وَهُمۡ یُسۡـَٔلُونَ) [سورة الأنبياء 23]
وهذا ليس فقط لتمام قهره وقدرته بل أيضا لتمام علمه وحكمته..وأيضا لعظيم جهلنا وقلة حكمتنا في جميع مراحل حياتنا..فلا يلزم أن نستقصي جميع الحكم في كل بلاء أو مصيبة لكن يكفي أن يعلم الإنسان مدى جهله ليسلم لربه الحكيم الذي أظهر له حكمته البالغة وبديع صنعه المتقن في السماوات والارض، والله يعلم وأنتم لا تعلمون.
وإن كان يمكننا استنباط كثير من الحكم كما سيأتي معنا إن شاء الله

🔶 ((حسن السؤال نصف العلم)) 🔶
وهذا يبين لنا أهمية السؤال الصحيح لأنه يعتبر نصف الإجابة، والسؤال الصحيح والطبيعي هنا: ماذا يريد الله عز وجل مني؟ ما هو المطلوب مني؟ فهذه العلاقة الطبيعية بين الرب والعبد..بين الخالق وصنعته..
والله عز وجل أخبرنا بإجابة هذا السؤال  (وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِیَعۡبُدُونِ) [سورة الذاريات 56]
ففي الحقيقة أوجدنا الله عز وجل في اختبار في هذه الدنيا فمن أجاب الإجابة الصحيحة فاز ونجح ومن تكلف ما لا علم له به ولم يعرف قدر نفسه كعبد ، انشغل عن الغاية التي من أجلها خلق فتجده متسخطا عند المصائب متكبرا عند النعم لأنه لم يفهم أنه في اختبار بكليهما
(ٱلَّذِی خَلَقَ ٱلۡمَوۡتَ وَٱلۡحَیَوٰةَ لِیَبۡلُوَكُمۡ أَیُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلࣰاۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡغَفُورُ) [سورة الملك 2]
لذلك فاحرص على ما ينفعك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، وانظر لسؤالات الصحابة المتكررة (يا رسول الله دلني على عمل يقربني من الجنة ويباعدني من النار؟)
ومع كل ابتلاء سواء بالخير والشر أو بالطاعة أو المعصية، تسأل نفسك ماذا يريد الله مني في هذا الاختبار؟ وما هي الإجابة الصحيحة؟ على قلة هذه الكلمات إلا أن عدم فهمها من أكبر أسباب التعاسة والجزع، لأنه في نهاية الأمر لم يفهم طبيعة وجوده في هذه الدنيا..

🔶 ((تعددت الأسباب والموت واحد)) 🔶
البعض يتناسى أن الموت مقدر على جميع البشر مؤمنهم وكافرهم بأي سبب كان، لم يستثن الله منهم أحدا حتى رسولنا الكريم ؛ تعددت الأسباب والموت واحد،
فلا ننسى أن في العالم أطفالا كل يوم يموتون، وكذلك شباب وشيوخ، لكن لأنها لم تأتِ في صورة مركزة وإنما متفرقة في الإحصائيات غفلنا أو تغافلنا عن هذه الحقيقة، لذلك يرسل الله إلينا مثل هذه الآيات الواضحة التي توقظ الحقائق في قلوبنا، (وما نرسل بالآيات إلا تخويفا) سورة الإسراء.

🔶((الموت قدر ولا يغني حذر من قدر))🔶
هؤلاء قوم من بني إسرائيل نزل بهم الطاعون المهلك، فخرجوا يفرون ويهربون لكن الإشكال أنهم لا يفرون من الطاعون، بل ظنوا أنهم يفرون من الموت، ونسوا أنها أسباب لمصير واحد فأماتهم الله من غير سبب
{ ۞ أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِینَ خَرَجُوا۟ مِن دِیَـٰرِهِمۡ وَهُمۡ أُلُوفٌ حَذَرَ ٱلۡمَوۡتِ فَقَالَ لَهُمُ ٱللَّهُ مُوتُوا۟ ثُمَّ أَحۡیَـٰهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یَشۡكُرُونَ } [سُورَةُ البَقَرَةِ: ٢٤٣]

كنت أفكر أحيانا ماذا لو لم يمت أحد؟
تخيل يعيش معك الخلائق من آلاف الأعوام، سنسير فوق بعضنا ونأكل أقوات بعضنا حتى يقتل بعضنا البعض..
فالموت مقدر على الجميع وهو سنة في الحياة
لذلك الذي يوجب الوقفة حقا على أي شيء سيموت الإنسان؟!

🔶 ((تمام الجزاء في الآخرة وإنما الدنيا دار بلاء)) 🔶
يقول البعض ألا تنظر إلى سوريا وما فيها من بلاء ألم يكن يكفيهم ما هم فيه؟!
وكأن القائل يتهم ربه بعدم العدل، فهي نظرة قاصرة لتعلق قلوبنا بالجزاء في الدنيا، وهذا خطأ فالله رفع الناس في الدنيا فوق بعض درجات والآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا

فلا بد من نظرة متكاملة للجزاء الموضوع على الأعمال، فلو أضفنا للمعادلة جزاء الآخرة لطاشت كفة الدنيا أمام ما يكون منتظرا الصابر الراضي على البلاء من جزاء الآخرة، أما لو قسنا الأمور بموازين الدنيا حيث نعيش هنا وفقط سيكون حال الإنسان الحيرة والسخط

وصدق رسول الله إذ قال:
(المؤمنُ بخيرٍ علَى كلِّ حالٍ تنزعُ نفسُهُ من بينِ جنبيهِ وَهوَ يَحمدُ اللَّهَ عزَّ وجلَّ)

وقال (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له)

فعلا المؤمن فقط هو الذي يدخل الآخرة في المعادلة فيحمد الله من قلبه على بلائه ونعمه

🔶((العافية أعم من البلاء))🔶
ولضعف العقل البشري حين يرى البلاء يكبر صورته ويقربها فلا يرى غيره، فيكون كنودا يعدد المصائب وينسى النعم، { إِنَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ لِرَبِّهِۦ لَكَنُودࣱ } [سُورَةُ العَادِيَاتِ: ٦]، لذلك هذا العقل في أمس الحاجة إلى الوحي الذي يذكره بنعم ربه وآلائه حتى يزن الصورة، ويفهم صفات الله في صورة متكاملة، فالشر إن وجد فهو شر عارض ليس الأصل، فالمعافاة أكبر من المرض والبلاء، تخيل لو أن الأمر كان العكس لما أطاق أحد العيش، وتخيل أن النريض يمرض بجميع الأمراض وجميع الناس مرضى ولا يستثنى إلا القليل!! ، انظر مثلا لحال العالم إبان اجتياح فيروس كورونا وقد أعلنت أكبر أنظمته الصحية فشلها في احتوائه أو ملاحقة المرضى، ومع ذلك كانت الصحة أكبر من المرض ومعافاته سبحانه أعظم

🔶((ليس في خلق الله شر محض ولا في أفعاله شر قط)) 🔶
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الخير بين يديك والشر ليس إليك) فحين يخلق الله الشر فهو شر نسبي وراءه حكم عديدة، سواء علمناها أم لا، فلو لم تحدث الزلازل لما استقرت الأرض، كما أن من الحكم إظهار عظيم قدرة الله ونفوذ إرادته في وقت يظن الإنسان أنه استعلى بعلمه، فمن أصغر الأشياء الفيروسات إلى أكبرها زلالزل ونحوها تبين للإنسان كم أنه ضعيف مربوب لله، وكما قيل أبين ما في الإنسان ضعفه،

كما أنك تتدبر في حال الدنيا التي يفاخر بها أهلها فثري الآن فقير بعد دقيقة مشرد، فقيمتك في النهاية ليست بالمال إنما بعبوديتك لله في السراء والضراء وحين البأس

  • كما أن في هذه الحوادث إحياء لعقيدة الولاء والبراء التي ينفق الأعداء المليارات لتذويبها، فترى تعاطف الأمة وشعور الجسد الواحد بألم أحد أعضائه، وهذا واضح مشاهد، بل ومنه تنبثق عبادات كالإيثار والصدقة، فلولا الجوع لما وجد الإطعام ولولا العوز لما وجدت الصدقة وغير ذلك من العبادات التي يبتلى الله بها العباد هل ينفقون أم يبخلون هل يهتمون أم لا يبالون فنحن وهم يا عزيزي مختبرون،
    منها أن يرتدع مذنب عن معصيته شفقة من قدرة الله عليه، وتذكير باليوم الآخر وزلزلة الساعة، ولا شك هذه الحوادث التي لا تنسى من ذاكرة الإنسان تترك أثرا في نفسه لمن تدبرها، بل كم سمعنا في الأيام السابقة عن رجوع شباب إلى ربهم بمثل ذلك
    كما يمكن أن نقول أنه عقوبة للكفار والفجار ورفعة في درجات أهل الإيمان منهم، فأهل الإيمان وإن حزننا عليهم وتعاطفنا معهم، فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون قال النبي صلى الله عليه وسلم:
    (أمتي هذه أمةٌ مرحومةٌ ، ليس عليْها عذابٌ في الآخرةِ ، عذابُها في الدُّنيا ، الفتنُ ، والزلازلُ ، والقتلُ) صحيح أبي داوود
    والذي يموت تحت الهدم شهيد كما في الحديث فألم ساعة وسعادو الأبد، وأما قبض الطفل صغيرا، فهو رحمة به، فالله أعلم بعمله إذا كبر، ربما كان كافرا أو مستحقا لعقوبة أو في منزلة أدنى مما هو فيها،

من الحكم أيضا أن تخالف هذه الظواهر القوانين المستقرة لتلفت انتباه الإنسان لتغيرها وأنها ما استقرت وذُللت إلا بإذن الرحمن سبحانه، فمع تقدم التكنولوجيا واستقراء الزلازل إلا أنها ما زالت تأتي بغتة وعلى حين غرة، وهذا التغيير في طبيعة استقرار الأرض خدمة لاستقرارها كما سبق، فهو  لحكمة خالقها وخالق صفاتها سبحانه، فتخيل لو كانت الأرض دائما في زلزلة لما كانت الحياة ممكنة، وهذا لا ينافي أن للزلزال أسبابا طبيعية تعرف بالعلم لكشفها وليس لأن السبب هو المسبب أو لنفي الحكمة فيها، فالمؤمن يستوي مع الكافر في معرفة هذه الأسباب الدنيوية، لكنه يتميز عنه بعلم الوحي الذي يجيبه عن السؤال الحائر لماذا وجدت بهذه الصورة..
فأين عابدوا الطبيعة والقوانين من كل هذا؟!
لكن كما قال الله عز وجل عن حال من ملأ الكبر قلبه
{ قُلِ ٱنظُرُوا۟ مَاذَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَمَا تُغۡنِی ٱلۡـَٔایَـٰتُ وَٱلنُّذُرُ عَن قَوۡمࣲ لَّا یُؤۡمِنُونَ }
[سُورَةُ يُونُسَ: ١٠١]
🔺 فهل لك من رجعة قبل فوات الأوان؟!🔻

وفي الختام، نسأل الله عز وجل أن يلطف بإخواننا وأن ينجي الأحياء منهم ويرحم الأموات إنه هو السميع العليم الرحمن الرحيم

‎أضف رد

I don't publish guest or sponsored posts on this site. But thanks anyway. :)

:

‎بريدك الإلكتروني لن يظهر لأحد