الإيمان الأعمى بالعلم التجريبي

image_printطباعة وتحميل هذا المقال

هل العلم التجريبي فيه إيمان؟ أي: هل هو محل للإيمان والكفر؟ أليس المفترض أن العلم وسيلة للمعرفة وحل المشكلات الحياتية وتحسين ظروف المعيشة وإعمار الأرض .. إلخ ..؟ بلى، من المفترض ذلك، لكن البعض “يؤمنون” بالعلم ويقولون I believe in science!!

أنا شخصيًا –كاتب هذه السطور- أحب العلم وأستعمله في عملي وأنتفع به في مهنتي كطبيب، وعلاقتي بالعلم قوية جدًا لأنه رأس مالي ومصدر رزقي، لكني لا أعبد العلم ولا أقدسه، وليس كل ما يقوله العلم أقبله بلا تدقيق ولا تمحيص، وليس كل ما يقال إنه علم هو علم صحيح قابل للاستعمال الآدمي. إنما على الجانب الآخر تجد الملاحدة يقدسون العلم التجريبي؛ فإذا قال العلم كذا وكذا، فهو صادق لا يكذب ولا يخطئ ولا ينطق عن الهوى. لكن الحقيقة أن العلم يخطئ ويغير رأيه، ويقول بالكلمة ثم يتراجع عنها، بل ويتبرأ منها! ومثال على ذلك البحوث العلمية التي ظلت تروج للعنصرية واليوجينيا وتفوق الجنس الأبيض على مدار قرن ونصف القرن تقريبًا، ثم عاد العلم ينكرها ويتبرأ منها! العلم في الحقيقة متغير ليس معصومًا، في جريدة الجارديان البريطانية كتب المحرر العلمي آدم رذرفورد Adam Rutherford مقالاً في أغسطس 2015 بعنوان (نحن نؤمن بالعلم .. حتى حد معين) أنكر فيه على الذين يقدسون الأوراق والبحوث المنشورة في المجلات العلمية المشهورة[1]. فالعلم لا يثبت على رأي ولا يستقر على قول، أو كما يقول فيلسوف العلوم الفيزيائي رودلف كارناب Rudolf Carnab: أكثر القوانين أساسية في علم الفيزياء تتغير من قرن لآخر[2].

فمثلاً جرت عادة علماء الفيسيولوجي والأطباء على اعتبار هرمون الذكورة التيستوستيرون testosterone هو هرمون العنف والشراسة والهياج العصبي، لكن في دراسة أجرتها جامعة زيورخ عام 2009 ونشرتها مجلة ناتشر Nature في نفس العام ثبت أن هرمون التيستوستيرون يساعد على التفكير الموضوعي وحسن اتخاذ القرارات حتى أنهم صاروا يسمونه هرمون العدل والإنصاف[3]!

وفي دراسة أخرى نشرتها مجلة ساينس Science سنة 2012 أن الجراثيم مفيدة للصحة[4]، وأن الإصابة بالأمراض الجرثومية في سن مبكرة تساعد على زيادة كفاءة المناعة والوقاية ضد أمراض الجهاز المناعي مثل الربو والحساسية[5]، وهذا طبعًا يناقض ما استقر علميًا على مدار قرون من كون الجراثيم ضارة بالصحة!

فهذان مثالان على أن العلم متغير لا يثبت على رأي ولا يستقر على قول، لكن المشكلة تكمن في أن علاقة الملحد بالعلم ليست علاقة عقلية نقدية تخضع العلم للنقد العقلي، لكنها في حقيقتها علاقة عاطفية روحانية تجعل العلم معبودًا وهاديًا وسراجًا منيرًا كلما دخل جحر ضب اتبعوه رغم أننا نعلم أنه ليس معصومًا ولا يهدي إلى الحق والصواب إلا أن يُهدى، فترى الموازين عند الملحد معكوسة، فهو يتبع العلم إتباعًا أعمى بروحانية عاطفية عجيبة وتقديس عجيب، وعند العلم تتلاشى عقليته العلمية الناقدة، وكما يقول بعض الفضلاء: لو أخضع الملحد النظريات العلمية التي يؤمن بها للعقلية النقدية المتشككة التي يتناول بها الأطروحات الدينية لما بقى له من العلم شيء.


[1] https://www.theguardian.com/science/2015/aug/22/can-we-trust-science-academic-journal-peer-review-retraction

[2] رودلف كارناب، الأسس الفلسفية للفيزياء، ترجمة د. السيد نفادي، دار الثقافة الجديدة، ص27

[3] http://www.nature.com/nature/journal/v463/n7279/abs/nature08711.html

[4] http://science.sciencemag.org/content/336/6080/489

[5] http://www.nature.com/news/early-exposure-to-germs-has-lasting-benefits-1.10294

‎أضف رد

I don't publish guest or sponsored posts on this site. But thanks anyway. :)

:

‎بريدك الإلكتروني لن يظهر لأحد