الفلسفة الإنسانية 2

image_printطباعة وتحميل هذا المقال

❌الفلسفة الإنسانية❌

    “⛔️إلحاد بثوب أنيق (٢) ⛔️”

     ✍️✍️ د/أحمد مجدي✍️✍️

عرجنا في المقال السابق على توصيف ظاهرة النزعة الإنسانية وحقيقة ما تحتويه من أفكار بشئ من الإجمال. وفي هذا المقال استكمال للفكرة بشكل نقدي لهذه الظاهرة.

قبل الولوج في صلب الموضوع، يُذكر كثيرا على مسامعنا في الفترة الأخيرة هذه الجملة “اعتنق الإنسانية أولا، ثم اعتنق ما شئت من الأديان”، وإن دلت فتدل على الجهل بهذه الفلسفة وحقيقتها وما تدعو إليه، وجهل بالشريعة الإسلامية -وسنبين هذه النقطة فيما بعد- فإن كان المقصود بالإنسانية الأعمال الخيرية والمساعدات.. الخ فقد كُفينا بهذه اللفظة والدلالة ألفاظ شرعية تعبر عن هذا المضمون كالإحسان والبر والعدل والقسط، ومع ذلك لا ندعو لإلغاء هذا المصطلح ولكن من الأفضل تجنبه لحمولته الفكرية الفاسدة.

تفنيد الموضوع على أربعة مسارات نقدية :

المسار الأول: 1⃣فساد المسلمات،

 فالفلسفة الإنسانية تنطلق من عدة مسلمات تظن أنها صادقة وحقيقية منها ما يلي..

١- أن إيمان الإنسان بوجود الإله وسيادته المطلقة على الكون يتناقض مع كمال الإنسان. ومعنى ذلك أن الإنسان تعبد وتذلل لله لكونه كان ناقصاً في علمه وسيطرته على الكون. وهذه مقدمة خاطئة بلا شك، بل هي وهم من أوهام الناقدين للأديان. فأهل الإيمان يؤمنون بوجود الله كقضية ضرورية فطرية يدل عليها العقل، فالتعبد لله هو الكمال. فالانسان عقله قاصر وعلمه محدود لإدراك الكثير مما يحيط به، وبالتالي يحتاج للإيمان بمن هو أعلم منه وأقدر ألا وهو خالقه. وهذا ينقلنا للمسلمة الفاسدة الثانية.

٢- أن الإنسان قادر على بلوغ كل شئ وتحقيق الإكتفاء بذاته وأنه بعقله وعلمه التجريبي يستطيع بلوغ كل شئ، وهذا أمر خارج عن المعقول وعن قدرة الإنسان. فعلى الرغم من قدرة الإنسان على الاكتشاف والادراك والاختراع إلا أنه ما زال قاصر عن ادراك الكثير من الأمور من حولنا في هذا الكون، ولا يعتقد بهذا إلا من عنده نزعة علموية يُخيل اليه مقدره العلم التجريبي على تفسير كل شئ. وهذا ضرب من الجنون، فهناك الكثير من التصريحات والكتب واللقاءات صدرت من علماء أشارت لعجز العقل الإنساني والعلم التجريبي للوصول لمناطق معينه وتفسيرها تفسيرا ماديا.

٣- أن العلاقة بين الله والبشر قائمة على الصراع والتنافس، فالفلسفة الإنسانية كانت على مر تاريخها في صراع مع الله حتى استطاعت التخلص من سطوته عليها، وهذا تصور اسطوري مأخوذ من الفكر اليوناني الخرافي؛ لأنهم كانوا يعتقدون أن الآلهة تتصارع مع البشر وتعاديهم، وأن الإنسان يحاول دائماً التخلص من سلطتهم، وهذا بالتأكيد كله خرافات؛ ذلك لأن العلاقة بين الله والإنسان لا تقوم أبدا على الصراع، فالصراع يقوم بين أطراف متقاربة في القوة والقدرة، وهذا غير متحقق في العلاقة بين الله والإنسان فالله الذي خلق الكون في غاية العظمة والجبروت والسعة، ولا يمكن للعقل الإنساني أن يحيط بذاته ولا بصفاته، ومما يدل على ذلك أن الكون الذي هو خلقٌ من خلق الله لم يصل الإنسان -ولن يصل- إلى نهايته، فكيف بمن خلقه وأنشأه؟! وهذا دليل العظمة الإلهية التي لا يمكن للإنسان أن يحيط بها. فإذا كان الأمر كذلك فكيف يصح في مقاييس العقل والمنطق أن يتصور أحدٌ العلاقةَ بين ذلك الإله العظيم الجليل وبين الإنسان الضعيف الضئيل -الذي لا يعدو أن يكون ذرّةً صغيرة من ذرات الكون- علاقة تصارع وتنافس؟! وأن الإنسان استطاع في نهاية الأمر أن ينتصر على الإله؟! إن عقلاً يسلم بمثل هذه المعادلة لهو عقل فاقد لكل المعايير العلمية والمقاييس المنطقية السليمة.

المسار الثاني2⃣ : إدعائهم بتفرُّدهم بتعظيم الإنسان والإحسان إلى البشر، فلا يعتمدون على دين، وإنما فلسفاتٍ غاية ما فيها أنها وحي الإنسان لنفسه، فيَدخُلها الهوى والظلم والرغبات الشخصية. وقد سُبق هؤلاء بما جاءت به الأديان وخاتمها والمهيمن عليها الإسلام، فقد كرم الإسلام الإنسان وذلك من عدّة وجوه منها: خلق الله عز وجل لآدم بيده والنفخ فيه من روحه، وأمر الملائكة بالسجود له كما قال تعالى (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ. فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ). ومنها إحسان خِلقته وصورته كما قال سبحانه: (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ).

وتخصيصة بالتكريم بين المخلوقات: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا).  والامتنان عليه بالعقل والتعليم: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْإِن

قسم دراسة الإلحاد – مركز الفتح للبحوث والدراسات, [04.11.20 13:02]

ْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ.). وتسخير الكون له: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) . وفَطَره على الإيمان: ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ).. وإرشاده لإحسان المعاملة مع الخلق، وغيرها الكثير مما كان السبق للدين فيه. فادعائهم إذاً باطل.

المسار الثالث3⃣ : قولهم بالنسبية الأخلاقية فلا يوجد معيار أخلاقي واحد، وهذا واضح الفساد فعلى أي أساس سيُحاكم الناس، طالما الخير والشر غير محدد. فالممارسة الفاسدة الآن قد تُستحسن فيما بعد، وتختلف من شخص لشخص. وآثار هذا القول لا تحصى فكما نعلم الدنو الأخلاقي الذي يعاني منه الغرب الآن، ويستعمل بعض المسلمين هذه الأقوال كالحرية الشخصية، لا تكن وصيَّا على أحد.. الخ لتمرير أفعال محرمة حتى يستسيغها المجتمع فيما بعد كالزنا والشذوذ – الذي يسمى بالمثلية تلطيفا للعبارة-، وانتشار نزعة الأنا والفردانية في مقابل تماسك الأسرة وتغليب حقوق الفرد على حقوق المجتمع.

وغيرها من الممارسات الكثيرة التي تمثل إشكالية بالنسبة لهؤلاء، فالإنسانيون “يبدون قدرًا من الصلابة الأخلاقية في خطاباتهم حيال ما يعتقدونه صواباً أو خطأً، دون أن يوضحوا القاعدة التي تتأسس عليها هذه الصلابة الأخلاقية، وإذا أرادوا التوضيح أحيانًا فإما أن يقعوا في إشكالية التسويغ النفعي البراغماتي للأخلاق، والذي يُفقد القيم الأخلاقية مكانتها، أو يقعوا في تقرير نسبيتها بما يُفقدها قيمتها المطلقة، ويفقدهم مبرر هذه الصلابة الأخلاقية التي يظهرونها، والحماسة الكبيرة في دعوتهم لقيمتهم الأخلاقية، بما يُشعر المتلقي أنهم يدافعون عن رؤى كونية مطلقة. واستقراء طريقتهم في نقد الممارسات الأخلاقية التي لا يميلون إليها تكشف عن هذه القضية بوضوح شديد، كما أنها تبرز التناقض ما بين الرؤية الكونية الإلحادية وبين الممارسة الأخلاقية. “(2)

وبالنسبة لي القول بالنسبية في الأخلاق وغيرها هي أداة سجالية للجدل لا أكثر، أما في الواقع فالكل يتحاكم لمرجعية معينة. وبالتالي هدف هؤلاء ليس الحرية كما يدعون، هدفهم المرجعية. لا يريدون السلطة والمرجعية والتحليل والتحريم والعقوبات من قِبل الدين والوحي أو بالأصح من الله. بل يريدون مرجعية بشرية سواء كانت في هيئة مذهب أو قانون وضعي أو دولة أو غيرهم.

المسار الرابع 4⃣ : نسميه معيار التمايز(3).. فقد ذكر الله سبحانه الناس بوحدة الأصل البشري، فلا مجال لأعراق عُليا وأعراق دنيا كما في الداروينية التطورية التي يؤمن بها المذهب الإنسانوي -كما بينّا- فيقول تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا).

ولم يُعلق الله سبحانه كرامة الإنسان بأمر خارج عن إرادته كقوة خلقته، بل علقها على تحقيق التقوى، وهي أمرٌ كسْبيّ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) ففي الإسلام يتمايز الناس بحسب الإيمان بالله تعالى وبنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، ويُذم الكافر لا لأصل خلقته لكن لإختياره الكفر على الإيمان. وهذا التمايز يمتد للحياة الآخرة، ففي الدنيا يختلف من حيث أحكام الشريعة للفرد والمجتمع بناءً على الإيمان وكذلك الموقف في الحياة الآخرة تبعاً للإيمان. وهذا التمايز هو عين العدل لا ظلم فيه، فالكافر يرفض الصفة الرفيعة التي يمنحه إيّاها الدين، ويصبح خاضعاً لقوانينه الخاصة. فالخلاصة أنه ولاء وبراء لا فيه إفراط بدعوى الإخوة الإنسانية وليّ أعناق النصوص بما يوافق أهوائهم، ولا تفريط بظلم الكافر.

وبالتالي يجب على كل مسلم أن يتمسك بدينه ولا يجعل أي فكرة أو مذهب متعالي على الوحي. وكذلك لا يجعل تسميته لنفسه -إنساني –  أو تقييد المطلق كلقب (مسلم بأفق إنساني) فالله عز وجل قال( هو سماكم المسلمين) فالمسلم الحق يعتز بهذه التسمية من الله عز وجل ولا يرضى بأي تسمية أخرى.

⏹وفي الختام قد بيّنا فلسفة هذا المذهب الإنساني وما يدعوا إليه من إلحاد وكفر بالغيبيات، وبيّنا أن له كهنته في الغرب، وأذرع في الشرق سحروا الناس بجمال هذه الفلسفة دون الحاجة للدين، بزخرف القول، وبريق القلم، ورونق الإنتاج الإعلامي.

فهيّئت النفوس لتقبله تدريجياً بدون أدنى وازع ديني في النفوس تصده.

حتى أُشربوا في قلوبهم الفلسفة الإنسانية.

?_____________________?

1-مُستفاد من.. سلطان العميري، ظاهرة نقد الدين في الفكر الغربي الحديث ج1، ص260:263 -بتصرف-?

2-عبدالله العجيري، شموع النهار ص

3-مُستفاد من.. إبراهيم الرماح، الإنسانوية المستحيلة ص183 -بتصرف-?

‎أضف رد

I don't publish guest or sponsored posts on this site. But thanks anyway. :)

:

‎بريدك الإلكتروني لن يظهر لأحد