الفلسفة الإنسانية

image_printطباعة وتحميل هذا المقال

❌الفلسفة الإنسانية❌

             “⛔️إلحاد بثوب أنيق⛔️”

✍️✍️ د/أحمد مجدي✍️✍️

?في زمن الغربة وضعف المسلمين ظهرت العديد من الأفكار والمذاهب، دعا بعضها لتجديد الدين، واقترح آخرون تأويل النصوص والتراث تأويلاً حداثياً ليوافق المنهج الغربي المتغلب.

ومن ضمن هذه الأفكاراقترح البعض إنشاء رابطة توحد بين البشر جميعاً وهي رابطة الإنسانية من غير تمييز على أساس دين أو عرق أو لون -هكذا يدّعون- فأغريت هذه الدعوى الكثيرين ،فمن الذي يرفض الأمن والسلام والازدهار؟

?ولكن هل المذهب الإنساني فعلاً يؤدي إلى هذه النتيجة؟ وهل هو اتجاه متماسك منطقياً وخالٍ من التناقضات؟ وهل الدعاوى التي يطلقها أصحاب هذا المذهب واقعية فعلاً؟ وهل المتبنون للإنسانية قضوا على الحروب والاستعباد؟

?وبعضهم ذهب لأبعد من ذلك لإنكار وجود الإله والزعم بعدم الحاجة إليه وانشاء دين الإنسانية، فهو إلحاد ولكن بثوب أنيق يجذب الجماهير ويبهرهم بشعاراته الرنانة.

✏️وفي هذه المقالة وما بعدها سنبين حقيقة هذا المذهب وفساد أفكاره، وتناقضات فلسفته وأساس دعوته.

⛔️فالإنسانوية أو الإنسية أو النزعة الإنسانية هي التي تتمركز حول قوة الإنسان وترى أنه مركز الكون بدون موجه أعلى وقد ذهب بعض المغالين في شأن الإنسان إلى الحد الذي يصل إلى تأليهه أحيانًا.

?أما ما يتبادر إلى الذهن عند ذكر الإنسانية من حسن الخلق والأعمال الخيرية..الخ، فهذا لا اختلاف فيه بين أحد، وليس هذا هو مقصود الإنسانويين- -مع اختلافنا مع هذه التسمية ففي الألفاظ الشرعية الكفاية – فهي تحمل عندهم دلالة معينة كما قال ستيفن لو “حملت كلمة (إنسانوية) -ولا تزال تحمل – مجموعةً شتَّى من المعاني؛ فهي تشير في معناها الرحب إلى منظومة فكرية تُعتبر فيها القيم والاهتمامات والكرامة الإنسانية ذات أهمية خاصة. وبهذا المعنى، ربما يصبح تقريبًا كلُّ شخص منا إنسانويٍّا (حتى الدينيون.) إلا أن المنضمين إلى لواء « الإنسانوية » اليوم، ولا سيما في المملكة المتحدة، عادة ما يَقصدون شيئًا أكثر تحديدًا؛ فهم لديهم رؤيةٌ للعالم من نوع خاص لا يقبلها الجميع بالتأكيد.”(1) ،

ولا يسعنا هنا ذكر تاريخ ظهور هذا المصطلح وعلى يد من؟ فهذا الأمر ليس سهلاً والحديث عنه سيطول . إلا أنه بالتتبع التاريخي في العصر الحديث للثلاث بيانات للمنظمات الإنسانية على مدار العقود المنصرمة ،يوضح النهج الذي اتبعوه لإمرار فكرة الفلسفة الإنسانية. ففي البيان الأول عام 1933م كان بلغة هادئة متصالحة مع الدين يتحدث عن الأخلاق والقيم والسعي للحرية والعدالة. ثم البيان الثاني عام 1973م الذي تجلى فيه عداء واضح للدين والغيب. ثم البيان الثالث عام 2003م وهو الأكثر وضوحاً في بيان حقيقة هذا المذهب وعدائه للدين(2).

وصرّح الإنسانوي ستيفن لو في مقدمة كتابه عن سباعية تمثل رؤية كلية للمذهب الإنساني بشكل أشد صراحة وشدة من البيان الإنسانوي الثالث(3) .

?ومن المُلاحظ أصلاً في تعريفاتهم المختصرة على مواقعهم على الانترنت لمفهوم الإنسانية، يذكرون بأنها لا تقبل التفاسير الفوق طبيعية (الغيبية) للواقع ، وأن للإنسان وحده الحق في إعطاء الشكل والمعنى لحياته.

وباختصار فإن الفلسفة الإنسانية قائمة على عدد من الأفكار الرئيسية نذكرها إجمالاً فيما يلي :

1⃣ كما ذكر ستيفن لو أن الإنسانيين بعضهم ملحدون  يشككون في وجود الإله والملائكة والشياطين وكذلك يشككون في الحياة الآخرة، والبعض الآخر لا أدريون. لأن بالنسبة لهم العلم والعقل هما أداتان للتحليل يقع للنقد تحتهما أي دين، وبالتالي كل ذلك خاضع للنظر والنقد العقلي التجريبي؛لأنهم لا يؤمنون إلا بالواقع المادي الطبيعي الموجود فقط .

وأن الإنسان يستطيع الوصول لما يريد بدون الحاجة للإله، “فالفرد – حسب الرؤية الإنسانوية – هو سيد نفسه، ومصدر التشريع، باعتباره صاحب تفكير حر، وهو عندئذ غير محتاج إلى موجه، لا من خالق،ولا من دين، ولا من أعراف” .

2⃣ تنطوي الإنسانية على إيمان شديد بوجود وأهمية القيمة الأخلاقية. كما يؤمن الإنسانيون بالنسبية الأخلاقية، بأنه ينبغي أن نستمدَّ أخلاقَنا عن طريق دراسة الطبيعة الفعلية للبشر وما يساعدهم على الازدهار في هذه الحياة، لا الحياة الآخرة. وينكر الإنسانيون المزاعم السلبية على غرار أنه لا يمكن وجود قيمة أخلاقية دون الإله، وأننا لن نكون  -أو يستبعد أن نكون-  أخيارًا دون الإله أو دون دين يرشدنا. ويقدِّم الإنسانيون حججًا وتبريرات أخلاقية لا تعود للمعتقد أو السلطة الدينية.و يؤكِّد الإنسانيون على استقلالنا الأخلاقي الفردي؛ فمن مسئوليتنا كأفراد أن نُصدر أحكامَنا الأخلاقية الخاصة لا أن نحاول تسليمَ تلك المسئولية إلى سلطة خارجية ما.

3⃣ ويدّعون أيضا العمل لنفع المجتمع والوصول للسعادة الفردية والرفاهية واحترام وجهات النظر الإنسانية في مجتمع مفتوح علماني .

4⃣ يعتنق الإنسانيون الداروينية كجواب لنشأة البشرية خلافاً لمبدأ الخلق ومعلوم على أي أساس تُميز الداروينية بين الأجناس والأعراق والاحتقار والاستعباد الذي يُمارس تحت هذه الايدولوجية مما هو مبثوث في الكتب ومعلوم، فمعيار التمايز بين البشر عندهم راجع لهذه الأفكار.

5⃣وأيضاً تتبنى الفلسفة الإنسانية العلمانية كمبدأ للدولة والحياة معاً ، فالفلسفة الإنسانية هي”للانقلاب على الرؤية اللاهوتية للعالم والإنسان أي: هي ثمرة رؤية دنيوية ومحصلة فلسفة علمانية دهرية، بهذا المعنى فإن الأنسنة هي الوجه الآخر للعلمنة”(4) 

،وكما قال أنتوني جريلينج “الدين والإنسانوية غير متسقين..الإنسانوية الآن هي فلسفة علمانية”(5) ،

?  ويتضح مع هذا أن الإنسانية كأيدلوجية إيجابية تدعو البشر للتعاون سوياً، وهي بذلك أكثر جاذبية من الإلحاد كفكرة عدمية صدامية تثير الشقاق والخلاف ولتجنب المواجهات المباشرة مع الدين.وبالتالي هي دعاية لإلحاد مخفي .

?ومن المُلاحظ أن هذه الفلسفة قد سارت دين بلا وحي، من حيث أنها تضع لنفسها تفسيرا معينا للإنسان وقوانين وفلسفة محددة تتجاوز بها جميع الأديان . “فبعض أتباع الديانات الوضعية يفاجؤون عندما يسمعون أن ما يعتنقونه إنما هو «دین»، فالإنسان الحديث لا يفضّل وليس في ذوقه أن يُسمَّى له دينه، فمزاج العلمنة الذي ينتج الكيانات البديلة ينتج أيضاً الإنسان الذي لا يسمّيها أديانا، وإن كانت تُعامَل معاملة الأديان في نفس الأمر. فمع انحسار الديانات الروحية في قطاعات كثيرة من المجتمعات برزت الحاجة إلى إبراز أديان بديلة عبر مفاهیم مثل الجمهورية والوطن والحزب والقومية وغيرها. وتحولت رابطة الإخاء الإيماني إلى مفهوم العقد الاجتماعي العلماني، بعد أن صارت «الدولة هي (الإله الآلة) الذي عرفه الغرب. “(6)

وهناك العديد من المنظمات الإنسانية التي تتبنى هذه الرؤية والتي في ناظرهم تحمل القبول أكثر من الدعاية المباشرة للإلحاد، فهي إلحاد مصبوغ بالإنسانية. منها مثلا : -الإتحاد الإنساني والأخلاقي الدولي International Humanist and Ethical Union(IHEU) وهي الجهة التي تمثل الآن هذه الحركة

– مجلس الإنسانية العلمانية  Council  for Secular Humanism.

-الأكاديمية العالمية للإنسانية   lnternational Academy of Humanism.

-الجمعية الإنسانية الأمريكية  American Humanist Association (AHA).

وغيرهم..

ولهذه التجمعات عموماً رمز الإنسان السعيد (Happy Human   (الرافع يديه إلى الأعلى، دلالة عندهم على البهجة والانتصار والتفاؤل. وقد تضاف إليه عبارات شعارية كما في شعار جمعية (AHA):

(GOOD WITHOUT A GOD) ، أي: جيد من غير إله؛ لنفى الحاجة إلى أصل ديني ومرجعية متجاوزة لتأسيس الأخلاق.

وكذلك تدعم المؤسسة الإنسانية عدد من النشاطات منها مثلاً دعوة منظمة AHA للوسين جريفس (أحد مؤسسي معبد الشيطان) لإلقاء محاضرة للتعريف به وأهداف المعبد، وعلقوا قائلين بأن المعبد ليس كنيسة للشيطان بل هو منظمة إلحادية مثلنا.وعلقت المنظمات الإنسانية على الانترنت لوثائقي للمعبد بعنوان(المجد للشيطان) بأنه كما كان الإله أول سلطة قهرية للإنسان،وقف ابليس كأول مناد للمعرفة والحرية لجميع البشر، فقد كان أول ناشط في حقوق الإنسان.

وعلى الجانب العربي لم أجد مؤسسة صريحة في الشرق داعية لهذا المذهب ولكن يوجد بالطبع اتباع ومريدين ليسوا قليلين ينادون بهذه الفلسفة ويقيمون الجلسات للتعريف بها والدعوة إليها.

 وهناك مؤسسات تدعم تاركي الإسلام من العالم العربي للسفر للخارج وينظمون معهم مؤتمرات وحوارات يحكون فيها قصتهم وتجربتهم بل ويطبعون لهم الكتب.. كالمجلس المركزي للمسلمين السابقين وغيره.

?وبهذا نكون قد كشفنا عن ماهيّة الفلسفة الإنسانية وحقيقة ما تروج له من أفكار إلحادية، والمؤسسات التي تدعم ذلك.

 ولكن يبقى السؤال..

?لماذا يرفضون الدين ويعادون فكرة وجود الإله؟ وكيف وصلوا لهذه النتيجة؟ ولماذا لا يمكن الجمع بأن يكون الإنسان إنسانياً قبل اعتناقه الدين؟ وأين التناقض في فسلفتهم؟

✏️  هذا سنحاول الإجابة عنه -بإذن الله- في المقال الثاني.✏️

والله الموفق والمستعان.

?________________________?

1-ستيفن لو، الإنسانوية مقدمة قصيرة جداً ص9 ?

2-Human Manifesto 1,2,3?

3- ستيفن لو، الإنسانوية مقدمة قصيرة جداً ص10:12?

4- علي حرب، حديث النهايات ص73?

 5- The God Argument :An Interview with A.C. Grayling ?

وانتوني جريلينج هو مؤسس الكلية الجديدة للإنسانيات، والموصوف بأنه الفارس الخامس للإلحاد الجديد.

6- مارسيل بوازار، إنسانية الإسلام ص٤٣١?

‎أضف رد

I don't publish guest or sponsored posts on this site. But thanks anyway. :)

:

‎بريدك الإلكتروني لن يظهر لأحد

‎مؤخرة الموقع