المرجحات الخارجية للإيمان على الإلحاد

image_printطباعة وتحميل هذا المقال

المرجحات ليست أدلة على وجود الله بالمعنى المتداول، لكنها مرجحات ترجح كفة الإيمان على الإلحاد، وهي ثلاثة: الحيطة أو ما يعرف برهان باسكال Pascal Wager، والصحة النفسية، والسلامة المجتمعية.

أولاً: رهان باسكال

قد وضعه العالم بليز باسكال لبلوغ شاطئ الأمان في مسألة الإيمان بالله من عدمه، وخلاصته أن المرء أمامه 4 احتمالات:

  1. إما أن تؤمن بالله ويكون الله موجودًا، فتكون رابحًا ربحًا غير محدود.
  2. أو أن تكفر به ويكون الله موجودًا، فتكون خاسرًا خسارةً غير محدودة.
  3. أو أن تؤمن به ويكون غير موجود، فتكون خاسرًا خسارة محدودة.
  4. أو أن تكفر به ويكون غير موجود، فتكون رابحًا ربحًا محدودًا.

وبالمقارنة بين هذه الاحتمالات، نجد أن أكثرها حيطةً وأقربها للسلامة والنجاة وتحصيل المنفعة هو الخيار الأول الذي يقدم لنا الربح الأكبر بغض النظر عن وجود الله من عدمه، وأكثرها خسرانًا هو الثاني، فيكون الخيار الأسلم الذي ينبغي اتباعه هو الإيمان بالله، بينما الخيار الأسوأ الذي ينبغي نجنبه هو الكفر بالله. وحقيقة هذا الرهان قريبة من قول الشاعر المعري:

زعم المنجم والطبيب كلاهما *** لا تبعث الأموات قلت : إليكما
إن صح قولكما فلست بخاسر *** أو صح قولي فالخسارُ عليكما

ثانيًا: أهمية الإيمان للصحة النفسية

نشرت مجلة الطب النفسي الأمريكية The American Journal of Psychiatry عام 2004 دراسة تثبت وجود علاقة بين الإلحاد والسعي للانتحار بعنوان (الانتماء الديني ومحاولة الانتحار)[1] ..

وذهبت الدراسة إلى نتائج مهمة:

  1. نسبة الانتحار لدى الملحدين أعلى ما يمكن.
  2. نسبة الانتحار كانت أعلى لدى غير المتزوجين.
  3. نسبة الانتحار قليلة بين مَن لديهم أطفال أكثر.
  4. الملحدون أكثر عدوانية من غيرهم.
  5. الإنسان المؤمن أقل غضباً وعدوانية واندفاعًا.
  6. الدين يساعد على تحمل أعباء الحياة والإجهادات ويقلل فرص الإصابة بالاضطرابات النفسية المختلفة.
  7. الملحدون كانوا أكثر الناس تفككًا اجتماعيًا، وليس لديهم أي ارتباط اجتماعي لذلك كان الإقدام على الانتحار سهلاً بالنسبة لهم.
  8. ختمت الدراسة بتوصية: إن الثقافة الدينية هي علاج مناسب لظاهرة الانتحار.

وهذا أمر حقيقي ومُشاهد؛ وقد يكون من المناسب أن أنقل هنا رسالة أحد الأخوة في منتدى التوحيد لأحد الملحدين عندما ذكر أنه يفكر في الانتحار:

(( ذكرت يا هداك الله أنك فكرت في الانتحار لما ألم بك من ظروف سيئة لا تعدو ما يواجهه مراهق في مقتبل عمره حين يعاني أمر تكوين شخصيته واكتساب الأصدقاء من حوله، وذكرت ما بلغت بك الوسوسة حتى شككت في عقلك وقدراته الذي كان سلاحك يوما في الإعراض عن الله وما اشترعه لعباده المؤمنين، فإذا به سلاح في يدك لكنه عليك لا لك ، وإليك لا إلى غيرك.

وما عجبت أبدا وأنت تتدين الإلحاد أن تفكر بالانتحار فهذا أمر لا يستغرب، بل أعظم ما أعجب له أن أرى ملحدا لا يعزم على الانتحار ولا يقدم عليه، فكيف له إن كان ملحدا حقا أن يقاسى مرارة الحياة بلا هدف سوى أن يكون ألعوبة لصدفة أزلية حمقاء عمياء، لا منتهى له فيها يزيد على أن يكون جيفة منتنة بقفر من الأرض تتحلل حتى لا يكاد يبقى منها شيء ثم لا حساب ولا عقاب ولا أمل ولا رجاء بعد كل تلك الحياة المليئة بالأسقام وقساوة العيش، فما معنى هذه الحياة حتى يصبر عليها ويصابر على شدائدها وصعابها؟ وما الذي يدفع ملحدا لأن ينشب بأظفاره فيها تمسكا بعيش ساعة لا يصفو كدرها ولا يحلو مرها؟!

عجبا لملحد لا ينتحر، فسيان حياته وموته، بل حياته في مقياس إلحاده سفه، لا دواء له إلا شراب أو مسحوق سام يستفه، أو إزهاق روحه بأي طريق يكون بها حتفه.

وإن من ألحد حق له أن يُلْحَد، فليس له فوق الأرض موطئ أو مأوى، وليس شيء أولى به من الأرض إلا لحد يُلْحَد فيه بما فيه من إلحاد وجحد.))[2]

وبسبب هذا السقم الروحي والنفسي البالغ في الإلحاد يسعى بعض الملاحدة اليوم إلى الترويج لما يسمى الإصدار الثاني من الإلحاد Atheism 2.0 حيث يتم تصنيع ديانة للإلحاد تشمل كل الأبعاد الطقوسية والشعائرية والاجتماعية للدين كمحاولة لإخراج الإلحاد من جفافه وسقمه الروحي، وتولى الدعوة لهذا الأمر الفيلسوف الملحد آلان دو بوتون Alain de Botton في محاضرة شهيرة له في تيد TED [3].

وليس دو بوتون هو أول من انتبه لهذا القصور في الإلحاد، فأحد رموز الفلسفة النفعية Pregmatism وهو وليم جيمس William James (1842 – 1910) كان ينبه باستمرار على أهمية الدين في تحصيل السعادة النفسية والروحية، وكان ينطلق من منطلقات الفلسفة النفعية في تسويغه للدين والاعتقاد الديني كسبيل للوصول إلى الاستقرار والراحة والطمأنينة في حالات القلق والاضطراب، وذكر الكثير من التجارب الإنسانية في كتابه (صنوف من الخبرة الدينية) The Varieties of Religious Experience، وله أيضًا كتاب (إرادة الاعتقاد) The Will To Believe الذي يقرر فيه مزايا الاعتقاد الديني التي ترجحه على الإلحاد أو الشك وأبرزها أنه يؤدي إلى الراحة والانسجام النفسي الذي يساعد الإنسان الفرد فيما يعترضه من مشاكل وصعوبات في الحياة، بينما التشكك والإلحاد لا يجني الإنسان من ورائه سوى التشتت والضياع.

ثالثًا: أهمية الإيمان لأجل سلامة المجتمع

في مجتمع يعلو فيه الإلحاد وتسود الأخلاق النفعية والمصالح الفردية المحضة تكون الأولوية لمصلحة الفرد على مصلحة المجتمع، فيفسد المجتمع بالتالي وينهار بدءًا من مؤسسة الأسرة حتى المؤسسات الأمنية السيادية الحساسة. يقول الفيلسوف الإنجليزي –أبو الليبرالية الغربية– جون لوك John Locke بخصوص الملحدين في المجتمع: (وأخيرًا لا يمكن التسامح على الإطلاق مع الذين ينكرون وجود الله. فالوعد والعهد والقسم، من حيث هي روابط المجتمع البشري ليس لها قيمة بالنسبة للملحد. فإنكار الله، حتى لو كان بالفكر فقط، يفكك جميع الأشياء. هذا بالإضافة إلى أن أولئك الملحدين الذين يدمرون كل الأديان ليس من حقهم أن يستندوا إلى الدين لكي يتحدوا)[4]. فالحقيقة أن الملاحدة ليس عندهم اعتبار للقيم التي تربط أواصر المجتمع كالعهد والقسم، فأي معنى للحياة الزوجية عند الملحد والزواج ميثاق غليظ كما هو معلوم؟ وكيف يقسم الملحد أمام القاضي عند الإدلاء بشهادته؟ وكيف تكون لكلمته أي قيمة في المعاملات المالية أو الاجتماعية؟ وكيف يمكن الثقة بملحد وهو يقسم على احترام الدستور في البرلمان؟ أو عند تولي أي منصب سيادي؟ هل يجوز لملحد أن يقسم بالله الذي ينكر وجوده؟ وهل يصح عقلاً هذا القسم أصلاً؟ فضلاً عن السؤال الحيوي الذي يبرز في هذا الإطار وهو: كيف يمكن الثقة بمن يكون القسم بالله في نظره بلا قيمة ولا اعتبار؟

فحقيقة الأمر أن الإيمان بالله ضمان لسلامة المجتمع وحفظه من التردي والفشل، وقد أدرك فلاسفة اليونان القدامى مثل أفلاطون وسقراط هذه المسألة فاخترعوا مفهوم الكذبة النبيلة noble lie التي يتم عن طريقها ابتداع أفكار دينية عن الإله بين الناس تدفعهم لفعل الخير وتجعلهم أكثر حرصًا على المجتمع والدولة وعلى بعضهم البعض[5]. وقد تأثر بهذا النهج الفلاسفة المنتسبون للإسلام مثل ابن سينا والفارابي وابن رشد وقالوا إن للشريعة ظاهرًا وباطنًا، فالظاهر للعوام من الناس حتى تستقيم أحوالهم والباطن للخاصة من العلماء، وأن الرسل إنما جاؤوا بالخيالات وضرب الأمثال وليس خطابهم على ظاهره، ولهذا نقضهم الغزالي وابن تيمية وغيرهما من علماء المسلمين.

ولأجل هذا نجد منظمات إلحادية مثل شبكة بحر الإيمان Sea of Faith Network تدعو إلى التمسك بالإيمان الديني مع الإقرار بأنه من اختراع البشر[6]. فهذا كله برهان على أهمية الدين والإيمان لسلامة المجتمع وتماسكه وأنه حتى عقلاء الملاحدة واللاأدريين يسعون للحفاظ على دور الدين في المجتمع مع اعتقادهم بأنه من اختراع البشر.


[1] https://ajp.psychiatryonline.org/doi/10.1176/appi.ajp.161.12.2303

[2] منتدى التوحيد – تحليل نفسية الملحد

http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?21997

[3]  http://www.ted.com/talks/alain_de_botton_atheism_2_0

[4] جون لوك ، رسالة في التسامح ، ص57 ترجمة منى أبو سنة ، نشر مكتبة الأسرة 2005

[5]  Plato, The Republic, Book 3, 414b-415d

[6]  http://www.sofn.org.uk/

‎أضف رد

I don't publish guest or sponsored posts on this site. But thanks anyway. :)

:

‎بريدك الإلكتروني لن يظهر لأحد

‎مؤخرة الموقع