بين الجذب والتطبيع!

image_printطباعة وتحميل هذا المقال

هناك إشكالية تخص بعض بل كثير من الذين كان همهم هو نصرة الإسلام وهي أنهم يسعون منذ فترة لإيجاد أرضية لهم مع المجتمع لأنهم عانوا من مشاعر الاغتراب بسبب وجود بعض المحرمات المستقرة في المجتمع كالموسيقى والغناء والفن بشكله الحالي، أو انتشار الربا أو ما يخص النساء من ملابس وزينة واختلاط كثير منه محرم أو الخلوة أو مصائب الخطوبة وغير ذلك، بل أن بعضهم وصل إلى درجة متميعة عند الحديث عن عمل المرأة وسط الرجال دون حاجة لذلك، أو سفرها للمناطق السياحية بمفردها والاختلاط بالرجال دون حاجة بل وبالجلوس وسط المغريات وشبه العاريات دون فائدة سوى الاستمتاع بالدنيا!

وكذلك المحرمات الأخرى الخاصة بالأفراح ومصافحة الرجل للمرأة التي لا تحل له، أو الذهاب للشواطئ والجلوس وسط المايوهات وغيرها، والعمل داخل المنظومات الربوية أو الاقتراض الربوي، . . . . إلخ إلخ ولا أريد أن أعدد هذه المحرمات أو المخالفات لكن أذكر أمثلة منها.

ويأتي بعض هؤلاء ويبذُل جهداً كبيراً في شرح الخلاف الفقهي في بعض هذه المسائل، “والتي أغلبها ضعيف أو شاذ” من أجل إيجاد أرضية له مع المجتمع، وبالتالي إيجاد مسار للشباب والفتيات المتدينات للتعامل الأريحي مع المجتمع دون وجود معوّقات أو حواجز، بل ويتم وصف الذين يحرمون مثل هذه الممارسات بأنهم متشددون أو منفِّرون أو يريدون عيش جو التميّز والاغتراب والنقاء وكأنهم يملكون وصفة النجاة بمفردهم، ويستخدمون عبارات تنفيرية من أجل تعويد الجيل الجديد على الاندماج داخل المجتمع دون أي حواجز حتى لا يُصابوا بهذه العُقَد التي أُصيب بها كثيرُ منهم من قبل!

 وفي الحقيقة أنا لا أنفي حدوث عُقد لبعض من يُسمى بالإسلاميين ولكن بسبب الجهل في التعامل مع مثل هذه الأحكام الشرعية، وكذلك بسبب الممارسات لبعض كبارهم، لا أنها بسبب الأحكام نفسها، فسيظل مكياج المرأة لغير المحارم محرّم إلي قيام الساعة، وستظل الملابس التي تشف أو تصف ما تحتها محرمة إلي قيام الساعة، وستظل الملامسات بشهوة والأحضان والقبلات بين غير الزوج والزوجة محرمة إلي قيام الساعة. . . . إلخ إلخ.

وكل المحاولات لإرضاء أي مجتمع أو أي طائفة في ذلك بتقريب الحرام باختيار أضعف الأقوال التي تبيح الاقتراب الشديد من هذه المنكرات ” أو ارتكابها بحجة الخلاف الفقهي الضعيف جداً” ما هي إلا هزيمة نفسية وانسحاق فكري وانمحاق حضاري، كمن لديه ارتجاع في المريء لن يؤذي إلا صاحبه!!

ولابد أن نفرّق بين ذلَّة العالِم أو اختيار قول ضعيف وبين أن يكون مسار الاختيارات كثير منه في هذا الاتجاه!
فهذا مسار انسحاقي وليس خلافاً فقهياً!

 فخلاصة ما يحدث هو نقل كثيرُ من المتدينين من خانة الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر إلى خانة المطبِّعين مع المجتمع في الخير والشر، وذلك طمعاً منهم ألا يلفظهم هذا المجتمع من جنة الدنيا، فأصبح التطبيع مقدّماً على الإنكار والإصلاح، بل ولم يعُد أمثال هؤلاء منشغلون بالدعوة إلى الله وجذب المجتمع من خانة الابتعاد عن هداية الوحي، إلى خانة التمسّك به، لأنهم فقدوا بالتدريج نقاء فكرتهم وحُسن مقصدها، لأن الذين أضاعوهم لوّثوا لهم النهر بحجة وجود سمكة سامة تقتل من يأكلها، فأفسدوا الجميع لاحتمال الضرر القليل!

 فلنحذر من هذا المسار فأغلب من ساروا فيه، تبدلوا وتغيروا، حتى أن بعضهم انقلب على عقبيه وما زال يظن أنه من أهل الإصلاح!

لأن من شروط الإصلاح هو السير على طريقة الأنبياء لا طريقة الأدعياء.
وللحديث بقية بإذن الله.

ونسأل الله ألا نخلط بقصد بين الغث والسمين أو بين الحق والباطل، أو بين الاستقامة والاعوجاج، وأن يجعلنا من المهديين.

‎أضف رد

I don't publish guest or sponsored posts on this site. But thanks anyway. :)

:

‎بريدك الإلكتروني لن يظهر لأحد

‎مؤخرة الموقع