مفاهيم تُحرَّف!

image_printطباعة وتحميل هذا المقال

س: ماذا أفعل إذا قيل لي عن حكم مسألة شرعية أن هذا فهمك للإسلام وليس هذا هو الإسلام؟!

ج: في الغالب اللي بيقول كده بيبقى يا مش فاهم الفرق ما بينهم، أو نصّاب ودجّال، لإن الناس كلها ليست متساوية لا في العلم ولا في الفضل ولا في الفهم، لكن اللي ميعرفش أي حكم أو أي مسألة عليه أن يسأل اللي بيعرف، يعني الجاهل بيسأل العالم، والمريض بيسأل الطبيب، والمتهم بيسأل المحامي، والمحامي بيسأل القاضي، وغير المتخصص بيسأل المتخصص، ودي المفترض حاجات بدهية مش محتاجة ذكاء!

س: إذاً ما قصدهم بقولهم هذا فهمك للإسلام وليس هو الإسلام؟!

ج: أن يجعلوا أحكام الشريعة كلها شيء غير ثابت ولا يقيني وإنما هي فهوم بشرية وليست أحكام سماوية!
أو بمعنى أدق: هناك حكم سماوي اختلف فيه البشر، فليس من حق البشر أن يقول هذا هو الحكم السماوي!
لأن هذا القائل بشري، والبشري لا يحكم على السماوي!!

س: هل هؤلاء البشر (العلماء بالشرع يعني) فهمهم هو الإسلام؟!

ج: علماء الشريعة ما اتفقوا عليه في الفهم فهو الإسلام لا محالة، وما اختلفوا فيه اختلافاً سائغاً فهو من الإسلام لا محالة (يعني لا يخرج الشرع عن أقوالهم السائغة)، وما كان من الأقوال الشاذة لأفرادهم فليس شيئاً معتمداً في الإسلام وإنما يُطرح كأنه غير موجود.

س: وما الدليل على أن كلام العلماء “بالطريقة التي ذكرتها” هو الإسلام؟!

ج: أن الذي أنزل القرآن وهو الخالق العليم الحكيم قال “فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون”
يعني عند عدم العلم ستذهب إلى من لديه علم ليخبرك ماذا ستفعل في كذا وكذا.
يعني إذا كنت محتاراً في تصرف ما، هل هو حلال أم حرام؟! فستذهب لعالم أو مفتي ليُعْلمُك بكيفية التصرف الصحيح.

س: يعني نقدر نقول أن هذا هو الإسلام؟!

ج: نعم نستطيع أن نقول ذلك، وإلا فما المعنى من إرشاد الناس لسؤال أهل الذكر عند عدم العلم أو عند اختلاط الأمر على السائل؟!
ولا يجوز بحال أن يُضلنا القرآن بأن يخبرنا بحل نتيجته النهائية سيكون قولاً ليس من الإسلام في شيء! أو احتمال كبير أن يكون فهماً شخصياً للإسلام!
كان المفترض يتم تعميد المسلمين في الصغر بمادة تمكنهم من فهم الإسلام دون اللف والدوران دا كله!!

س: هل ممكن تعطينا أمثلة أكثر وضوحاً لكي نفهم الكلام بشكل أفضل؟!

ج: الإسلام فيه أحكام قطعية سواء غيبية أو فقهية أو أخلاقية لا يُقال عنها بحال أنها فهمك للإسلام وإنما هي من الإسلام قطعاً.
مثال: الإيمان بالملائكة أو بالجنة والنار ليس من فهم أحد للإسلام وإنما هي من الاعتقادات الإسلامية قطعاً والذي ينكرها لا يوصف بأنه مسلم حينها.
مثال آخر: حرمة الخمر والزنا مثلاً هل هي من فهمنا للإسلام أم هي من الإسلام قطعاً؟!
مثال ثالث: وجوب الصدق والأمانة والصبر، وحرمة الكذب والخيانة والجزع هل هذه الأخلاق من فهمنا للإسلام أم هي الإسلام قطعاً؟!
وعلى هذا فقس.

س: لكن لا أظن أنهم يقصدون بقولهم (هذا فهمك للإسلام) على هذه القطعيات؟!

ج: بالعكس، هم لا يقصدون في المقام الأول إلا القطعيات، وسأخبرك بحقيقة تصرفهم.
هم يقولون لك أن الحكم القطعي هذا من الذي قال بأن مراد الله هو التحريم مثلاً؟!
يعني هل مراد الله هو تحريم الخمر أو الزنا؟!
فأنت ستقول نعم والدليل إن الخمر فيها أدلة كثيرة على حرمته وكذلك الزنا سواء في القرآن أو السنة!
سيقولون لك: هذا غير صحيح واختلافنا معاكم صُلبه هنا، لأن من قال أن الخمر محرم قطعاً، والزنا محرّم قطعاً هم البشر الذين تسمونهم علماء!
ستقول لهم: وما المشكلة في ذلك؟!
فهؤلاء العلماء لا يخترعون أقوالاً ولا يجتمعون على ضلالة، ولا تخالف فهومهم لمعاني الدليل.

سيقولون لك: لأ يا سيدي، الموضوع مش كده خالص!
خلاصة الموضوع إن العلماء دول بشر وفهموا من الدليل إن معنى حُرمت عليكم الميتة مثلاً إنها ممنوعة شرعاً، ودا مش صحيح لإن دا فهمهم لمعني الكلمة، والكلام ليه معاني كتيرة، وممكن أنت كمثقف مثلاً تعرف إن معنى حُرمت هنا بمعنى مُنعت يوماً، ولا يلزم من الذي مُنع يوماً أن يُمنع كل الأيام!
وإن ممكن يكون ربنا بيعاقب بعض الناس اللي خالفت أمره في وقتها بإنه حرّم عليهم الميتة أو الخمر أو الزنا، كعقوبة مؤقتة تزول فيما بعد!!
يعني القرآن ده حمّال ذو وجوه ومليء بالأفكار والمدلولات والمعاني، وإن نخلى مجموعة من الناس اللى اسمهم العلماء يحصروك في معنى أو اتنين أوتلاتة دا غلط جداً وده بيحجِّم الإبداع، وبيوقف العقل عن المضي في أعماق النص القرآني ليحلل ويغوص للحصول على الإلهام المناسب لعظمة القرآن وثراءه وصلاحيته لأي تفسير كمان!!

ستقول: إذا أنا فهمت!
فهم لا يريدون للقرآن أن يكون حاكماً للنصوص وإنما متاهة لها!
يعني لا يوجد ما يسمي بالأحكام القطعية لأن اللي قال إنها قطعية هم ما يسمونهم بالعلماء وهم بشر من البشر!
يعني الحكم بالقطعية حكم بشري وليس حكم سماوى ولا نستطيع أن نقول أنه مراد سماوي!!
وهذا هو المقصود بتضييع أحكام الدين وجعلها تخضع لأمزجة البشر؟!

لكن السؤال: هل الرسل كانوا بشراً أم من الملائكة؟!

ج: كانوا بشراً.

س: هل كان فهمهم للنص بشري أم سماوي؟!

ج: فهمهم بشري يعني عقلوا المعني وبلغوه للناس ولكن كان هذا المعنى هو مراد الله للبشر لذلك لم يأت القرآن مكذباً لنبي من الأنبياء في حكم من الأحكام ولا في غيب من الغيبيات ولا في حديث عن الأخلاق!
وهذا دليل على أن الفهم البشري للأنبياء كان مطابقاً لمراد الله.

س: لكننا نتكلم عن العلماء وليس الأنبياء؟!

ج: العلماء كما في الحديث الصحيح هم ورثة الأنبياء، وأي محاولة للتقليل من شأنهم والطعن في فهمهم هو طعن في الدين.

س: وكيف تجعل الطعن في العلماء طعن في الدين؟!

ج: لأنك حينها تقول أن الدين غير مناسب للناس، فهم لا يفهمونه، ولا يستطيعون أن يصلوا لمراد الله منه، فإذاً هناك حلقة مفقودة يحاول من يسمي نفسه بالعلماني أن يزرعها في عقول المسلمين، إما النص غير مناسب للحياة، وإما النص مايع يفيد المعني وعكسه بحجة إن مدلولات النص مش العلماء بس اللي من حقهم يحددوها، بل أي حد مثقف وعنده مخ ممكن يحددها!! ونرجع تاني للمفهوم البشري والسماوي ودوخيني يا لمونة!

س: أنت عايز تقول إيه من ساعتها؟!

ج: كما أن هناك من يريد خراب الأسرة وضياعها تحت مصطلحات الحقوق والحريات بالمعني الغربي والذي يحل الحرام ويحرم الحلال، فهناك أيضاً من يريد تخريب الوحى بأن يميعه ويشكك فيه لأنه يريد مسلمين بلا إسلام حتى يظل الجميع تحت السيطرة البشرية وايقاف كل أنواع الاستسلام للأحكام السماوية لأنها ستُوقف الشهوات وتحجّم المنكرات وتعيد الإنسان لمكانه الطبيعي كعبد وليس كمعبود!

 ملحوظة:
عندما يحكم قاضي محكمة النقض حكماً نهائياً على المتهم فعلى محامي المتهم أن يرفض الحكم، لأن هذا الحكم بشري وأن حكم القاضي ليس هو مراد الذين وضعوا القانون!
وبمثل هذا تدب الفوضى في المجتمع، فما بالك بالطعن في الوحي؟

‎أضف رد

I don't publish guest or sponsored posts on this site. But thanks anyway. :)

:

‎بريدك الإلكتروني لن يظهر لأحد

‎مؤخرة الموقع