عن القيود التي فرضتها النسوية على المرأة

image_printطباعة وتحميل هذا المقال

يقول الكاتب إحسان عبد القدوس: ” ليس هناك شيء اسمه الحرية، وأكثرنا حرية هو عبد للمباديء التي يؤمن بها، والغرض الذي يسعى إليه .. إننا نطالب بالحرية لنضعها في خدمة أغراضنا .. وقبل أن تطالب بحريتك اسأل نفسك: لأي غرضٍ ستهبها”

 كثيرًا ما تواجه الحركة النسوية انتقادات أنها حركة متناقضة؛ لأنها في أحيان كثيرة، وعندما تقول إنها تحرر المرأة، فإنها تعمل على إخضاعها لنظام أكثر قسوة.

فعلى سبيل المثال تحولت “أسطورة الجمال” إلى ضربة وجهت إلى النساء اللاتي استطعن نيل الكثير من الحقوق في التعليم والعمل والسياسة أثناء مسيرتهن نحو التحرر.

ويبدو أن هذه الأسطورة قد استطاعت السيطرة على النساء أخيرًا

فالمرأة التي رفضت الخضوع لسيطرة الرجال خضعت تمامًا للصورة التي تصدرها وسائل الإعلام والثقافة الجماهيرية عن الجمال. وحلت قيود “أسطورة الجمال” محل القيود التي كانت تفرضها من قبل “الأمومة والعمل المنزلي والعادات والأعراف”.

 فقد فرضت مقاييس الجمال قيودًا على ما تتناوله النساء من طعام للمحافظة على النحافة.

 وقيودًا على حركة المرأة بسبب الملابس الضيقة والكعوب العالية.

  وقيودًا على كيفية قضاء وقت الفراغ، حيث تقضيه المرأة في ممارسة التمرينات الرياضية أو الذهاب إلى صالونات التجميل أو القيام بعمليات شفط وتكبير وتنحيف وتنعيم وتقشير في محاولات يائسة لتحقيق صورة غير واقعية للجمال.

وفي هذا السياق تتساءل إحدى النساء المناهضات للنسوية قائلة :”هل هذا ما تمردنا من أجله؟”

 وتقص إحدى الكاتبات هذه القصة التي حدثت في مدينة زيوريخ قائلة :

” كنت أتناول طعام العشاء مع صديقة سويسرية ،ونحن خارجتان من المطعم، وجدنا مجموعة من الفتيات سائرات أمامنا كلهن يرتدين الكعب العالي المبالغ فيه، كلهن يرتدين ملابس ضيقة جدًا ومثيرة وكلهن نحيفات وفقًا لمقاييس النحافة العصرية.
وتحسرت صديقتي كثيرًا على جيلها، وتساءلت إذا كان الشكل والجسد الذي تتهافت الفتيات على الحصول عليه في الوقت الراهن هو ما تمرد جيلها من أجله ؟ لقد اعتقدت صديقتي وزميلاتها في ذلك الوقت أنهن خرجن يقدن المظاهرات ويغيرن القوانين حتى يأتي جيل جديد من النساء متحررات من هوس الجمال وحبس المرأة في مجرد جسد جميل، ولكن من الواضح أنه بعد مرور سنوات عديدة فإن الأمور قد سارت عكس ما أردن فظهر جيل من النساء قرر الخضوع بكامل إرادته إلى الهوس بالجسد الجميل والإغواء والركض من أجل تحقيق مقاييس الجمال المفروضة من السوق ومن صانعي الموضة، ومعظمهم من الرجال مفارقة بالطبع. “

 نعم هذه هي الحقيقة؛ فالمرأة التي هربت من قيود الأسرة والزوج، خضعت لقيود صالات الموضة وهوس الجمال التي يحركها النظام الرأسمالي العالمي، والمرأة التي هربت من سلطة الزوج خضعت بكامل إرادتها لسلطات رئيسها في العمل.

 نعم لقد تحررت بعض النساء من واجبات الأسرة وتربية الأبناء لتسجن نفسها في واجبات أخرى أكثر قسوة فرضها عليها سوق العمل، وحلت محلها المربية التي هي في المقام الأول والأخير امرأة مثلها لديها أسرة وأولاد في أحيانٍ كثيرة! مفارقة ثانية غريبة بالطبع

لقد حدث كل ذلك بسبب الإعلاء من قيم الأنا والفردانية، لينظر كل طرف في المجتمع لنفسه على أنه فرد قائم بذاته ولذاته، بغض النظر عن القيم الشرعية والمجتمعية التي وضعت كل فرد في إطار دور معين ، ولولا ذلك الدور لحدث خلل في المجتمع البشري، وحدث شرخ في تطبيق هذه القيم الدينية التي قامت عليها البشرية. وأيضًا بسبب تصوير العلاقة بين الرجل والمرأة على أنها علاقة صراع، لا علاقة تكامل وترابط ومودة ورحمة كما أرشدنا القرآن الكريم

والحل في النهاية يقوم على رجوع الفرد والمسلم للضوابط الشرعية التي وضعها الشرع الحكيم في العلاقات الإنسانية، سواء العلاقة بين الرجل والمرأة، والزوج والزوجة، والآباء ومن يعولون، وغير ذلك ، والتي قد نفرد لها مقالاً في وقت لاحق بإذن الله.

‎أضف رد

I don't publish guest or sponsored posts on this site. But thanks anyway. :)

:

‎بريدك الإلكتروني لن يظهر لأحد